كانت بداية وسائل الإعلام المنتشرة حالياً في القرن السادس عشر، حيث صدرت في أمريكا أول صحيفة عام 1690 في بوستن تلى ذلك البث الإذاعي خلال القرن الثامن عشر، أما التلفزيون فلم يظهر إلا مع بداية القرن التاسع عشر، هكذا تطور ظهور هذه الوسائل بالتدريج كما تقول بعض المصادر.
ومع تقدم التكنولوجيا وثورة المعلومات أصبح إيقاع التطور سريعاً وتميز بظهور وسائل مختلفة في منتصف القرن الماضي وأصبح الاتصال والتواصل بين الناس أسهل، فظهر الكمبيوتر، والفضائيات، فالانترنت بمواقعه ومدوناته ولغاته المختلفة لتلبية جميع الطلبات وحل بشكل أو بآخر محل الصحف والإذاعة والتلفزيون وأصبح استعماله ضروري عند الجميع، وتتطور فقط وسائل استخدامه التي يتم تحديثها بسرعة فائقة، فمن الكمبيوتر بحجم التلفزيون إلى تليفونات بحجم كف اليد يستطيع من خلالها المستخدم لشبكة الانترنت أن يقرأ ويشاهد بالصوت والصورة أول بأول كل المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من أي مكان في العالم حتى تلك الممنوعة في بلده!!! وأعتقد أنه خلال فترة وجيزة سوف تتوقف الصحف عن الطباعة وتصبح إلكترونية.
لكن كل هذا التطور لا يحدث إلا في الدول المتحضرة، والهدف منه توعية المجتمع بحقوقه وواجباته، ومحاربة الفساد والاستبداد ومساعدة المواطن على الإرتقاء واستثمار وقته في المعرفة والانتاج، وتمكينه من الاطلاع مباشرة على كل ما يدور داخل وطنه من تصرفات مؤسسات وأفراد وحتى الحكومات والسماح له بالمشاركة والنقد وإيصال صوته بكل حرية دون قيد أو رقيب.
ويذكر على لسان الرئيس الأمريكي توماس جفرسون عام 1787، “لو ترك لي أن أقرر هل يجب أن تكون لنا حكومة دون صحف، أو صحف دون حكومة، فلن أتردد لحظة في اختيار الأخير”. هذه هي قيمة الكلمة والرأي في الدول الغربية التي انطلق نشرهما منها لخدمة الشعب قبل الحكومة. أما في الدول العربية فلقد تم تقليد الغرب في إصدار الصحف ومن ثم إطلاق الإذاعات وعكس الهدف وأصبح خدمة الحكومة قبل الشعب!!! ولم تتفوق الدول العربية على الدول الغربية إلا في عدد الفضائيات الهابطة، واختلفت عنها بالفضائيات الإخبارية التي أغلبها لا زال يمارس التطبيل و التزمير لكل من يصل إلى كرسي الحكم وينسوا أنهم في عصر الأقمار الصناعية متابعون حتى خارج الحدود ومباشرة، ولا يمكن لأحد أن يحترمهم ويتابعهم وهم يتبعون أسلوب النفاق والخداع والكذب للتقرب من السلطة ونيل الرضاء حتى أصبح البعض يقول أن وسائل الإعلام وبالذات الصحافة في عهد الاستعمار كانت أفضل في هذه الدول لأنها كانت تظهر الحقائق دون خوف أو تردد إلى أن حصلت على الاستقلال أما اليوم فأغلب وسائل الإعلام في الدول العربية هي ملك للحكومة أو تحت سيطرتها، وإن تجرأ أحد وكتب ما لا يرضيها أو رأياً مخالفاً لرأيها استبعد أو سجن، فهناك عشرات من الكتاب والمفكرين فصلوا عن أعمالهم أو أوقفوا عن الكتابة وسجنوا وعذبوا أو غير معروف مكانهم، لذلك لا زال المواطن بعيد كل البعد عن الاستغلال الصحيح للثورة المعلوماتية والسبب حجب الحقائق عنه وتقييد حرياته، لكن مخطئ من يظن أنه بهذه السذاجة ليصدق أسلوب النفاق والمجاملة الذي يتبعه بعض الإعلاميين والذين لا زالوا يعتقدون أن الصحافة لا زالت وسيلة من وسائل الحشد والتأييد عندما يدافعون عن قرار حكومي ما، أو ينشرون الأكاذيب حول موضوع ما و للأسف هؤلاء يعملون دون مبادئ أو قيم أخلاقية في ظل حكومات لا تعترف إلا برأيها، والحرية لها فقط بالرغم من أنهم يدعون ليلاً ونهاراً بأنهم مع الحريات، وأن الحرية مكفولة للجميع، لكن مع أول فرصة اما يسلبونها، أو يغتالوها. ورغم هذا حقق الانترنت حلم الكثيرين بالكتابة والقراءة بمواقع مختلفة وبكل اللغات وبحرية أكبر و انتشار أسرع.
يقال أن أحد كبار المسؤولين في دولة عربية وبحضور مسؤولين وشخصيات من دول عربية مختلفة انتقد دخول الانترنت إلى الدول العربية واعتبره حرام ويفسد أخلاق الشباب وفكرهم، وطلب عدم التقرب منه ومنع أولادهم عنه
هذا هو الفرق بيننا وبينهم بين فكر ورؤية رئيس دولة قبل أكثر من قرنين كان يريد الإرتقاء لدولته لتصبح الأعظم شأن في عصرنا الحالي. وبين من هم بهذه السطحية والجهل في ظل الفساد والاستبداد حتى أصبحنا في ذيل القائمة.
إن تقدم الدول لا يأتي إلا بالمشاركة الفعالة من الجميع بإبداء الرأي وتحرير الفكر و إطلاق الحريات.