لشبونة عاصمة البرتغال، زرتها مند أشهر للمرة الأولى باقتراح من أحد الأصدقاء وفي الحقيقة كان الإقتراح في محله ولن اتردد في زيارتها مرة أخرى، هي جوهرة تاريخ أوربا وأحد أعمدة حضارتها، تتالت عليها شعوب وأديان وثقافات مختلفة تعايشت معها وأثرتها، ملامحها مزيج من الإنفتاح الغربي بتحرره ومن الأصالة العربية بقيمها الإنسانية والثقافية.
كما تتميز لشبونة بالإضافة إلى مناخها المثالي الذي جعلها من أكثر الوجهات السياحية النشطة في أوربا بموقعها الجغرافي المتميز حيث تقع على سبع تلال تسمح لك بالإستمتاع بجمال المدينة من نقاط مرتفعة، هي مدينة تحتضن ثقافات وحضارات متنوعة تلبي أذواق السياح الباحثين عن الأصالة وعبق التاريخ إلى جانب الإثارة والجمال هي عاصمة البرتغال وأكثرها نشاطاً وحركة بسبب مقوماتها ومعالمها السياحية.
زيارتي لمدينة لشبونة كانت ممتعة وغنية ولا يمكنك إختصار كل معالمها في يومين أو ثلاث بل تستحق أكثر من ذلك، ولتكتشف المدينة تحتاج للسير على الأقدام أكثر من التجوال في سيارة فهي تقع عند ملتقى نهر التاجوس بالمحيط الأطلسي وتحتوي على معالم متنوعة من متاحف وقصور وقلاع يعود تاريخ بعضها إلى القرون الوسطى وإلى العصر الإسلامي والروماني ولأن ذكرها يحتاج إلى أكثر من موضوع سوف أذكر أبرزها، كنصب لشبونة الذي يخلد عصر الإكتشافات البرتغالية التي وصلت إلى أوجها في عهد فاسكودي غاما بعد أن بدأها الأمير هنري الملاح الذي فتح أفق المعرفة والإطلاع للمكتشفين الذين جاؤوا بعده. ويؤرخ تلك الحقبة كذلك خارطة الفسيفساء التي تقع قرب برج بيلم الذي يعد من المعالم السياحية الفريدة في منطقة بيلم. والخارطة توثق بالقارات وأسماء الدول والتواريخ عصر الإكتشافات البرتغالية. كما يقع في هذه المنطقة التاريخية المتحف الوطني وقصر بيلم المقر الملكي سابقاً. وكما ذكرت المدينة تزخر بالمواقع التاريخية المهمة ككنيسة ومتحف جيرونيمس الذي يحتوي على التراث البرتغالي بما فيه التاريخ العربي وكذلك قبر “فاسكودي غاما”، وقلعة “ساوجورجي”، ذات الأبراج العشرة على التل وغيرها الكثير، أما أسواقها فهي بسيطة ومتنوعة وأحياؤها الترفيهية تنشط بمختلف الفعاليات والفنون. والتجوال في لشبونة يشعرك بأنها مدينة معزولة عن العالم، مدينة تجعلك تعيش كل تناقضاتها بعد أن إحتلت وإكتشفت أبعد نقاط في العالم، غزاها وقهرها أقرب جيرانها وهذا التناقض الذي عاشته تشعره وأنت تتجول في أحيائها وتعيش هذا التنوع الثقافي في الميدان التجاري الذي يقع وسط المدينة، يضم مباني تاريخية قديمة إلى جانب القوس الذي شيد في ذكرى إعادة بناء المدينة بعد زلزال 1755 تتخلله أحياء قديمة ذات طابع خاص ورغم ضيقها يشقها الترام ويمكنك الإستمتاع بالتجوال فيها سيراً على الأقدام فهي تعج بالسائحين لتعدد نشاطها، فإلى جانب المطاعم والمحلات التجارية الصغيرة والتقليدية التي تتخللها فإنك قد تحظى بفرصة الإستمتاع بموسيقى أو مشهد فني نادر يقدمه أحد الفنانين المتجولين.
وأهم ما شدني في المدينة هو جسر 25 إبريل ذو طابقين، المعروف بجسر سالازار الدكتاتور الذي ترك للشعب البرتغالي شيئاً يذكر به. وهو جسر معلق يربط مدينة لشبونة بمدينة ألمادا تم إفتتاحه عام 1966، يحمل الطابق العلوي مسارات للسيارات وقد أمر سالازار في ذلك الوقت أن يحتوي على طابق سفلي وهو الآن يستخدم لإثنين من خطوط سكك الحديد.
كما تحتوي المدينة على أكبر جسر في أوربا، ويقع كذلك على نهر التاجوس، وهو جسر فاسكودي غاما وقد تم افتتاحه عام 1998 وأقيم تحته في نفس العام معرض إكسبو.
على بعد حوالي 60 كلم من لشبونة زرت مدينة سنترا المدينة الساحلية الجبلية التي تتميز بتلالها الممتدة على الساحل وبقلاعها وقصورها أهمها قصر سنترا وقصر بينا وقلعة عربية يطلق عليها البرتغاليون “قلعة الموروس” كما تحتوي كذلك على قصر سينترا الوطني الفريد بآثاره وهندسته.
أما مدينة “كاشكاي” فهي مدينة صغيرة على البحر أهم ما يميزها ميناؤها وشواطئها الجميلة ومطاعمها المنتشرة حولها وإلى جانبها تقع “كابودي روكا” حيث يمكنك الإستمتاع بالساحل والمحيط من جرف عال.
هذه هي لشبونة اليوم كما رأيتها تجعلك تعيش حاضرها وتحن لماضيها الذي بدأ باكتشافاتها وحب قادتها آنذاك للسيطرة والتوسع والإطلاع حيث وصلوا بقيادة فاسكودي غاما عام 1502 إلى الهند ففرضوا سيطرتهم على المحيط الهندي وأسسوا مستعمرات إمتدت من الهند مروراً بأندونيسيا وصولاً إلى مكاو وكانت أهدافهم تجارية عسكرية من أجل السيطرة وبسط النفوذ، لكنه لم يدم بسبب أعدادهم القليلة التي حالت دون حماية كافية لمستعمراتهم مما أثار أطماع الدول الأخرى أبرزها اسبانيا التي احتلتها عام 1580 وفرنسا بقيادة نابليون عام 1807 كما استولى الهولنديون على أغلب مستعمراتها لكنها تركت لغتها وموانئها خير شاهد على أسبقيتها باكتشاف العالم الجديد وبريادتها الملاحية ويرجع لها الفضل في بناء سفن تمتاز بكل المقومات حتى أصبحت من أكبر القوى البحرية والتجارية في أوربا لكن التوسع كان أكبر من حجمها والمظاهر الزائفة والغنى الفاحش الذي كان يعيش فيه ملوكها أدى إلى تدهور أوضاعها وبعد أن كانت امبراطورية مستعمرة لعالم جديد أصبحت مستعمرة غزتها أغلب الدول الأوربية وكان سقوطها أسرع من وصولها للقمة.