خلال الفترة الماضية هزت العالم أزمة اقتصادية طالت كل الدول، ولا زالت تداعياتها مستمرة ولا أحد من الخبراء و المختصين يعرف نهايتها. هذه الأزمة انطلقت من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حيث قمة الرأسمالية، ووصلت إلى الدول المرتبطة بها ومنها الدول العربية ومن بينها دولة الإمارات وبالذات إمارة دبي باعتبارها مركز الشرق الأوسط التجاري.
مع أن الخبراء الاقتصاديين في أمريكا حذروا من سقطات حاسمة في الاقتصاد الأمريكي قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي لا مفر منه، وصدر بهذا الخصوص مجموعة من الكتب والدراسات، لكن حكومة جورج بوش حينها، كانت لديها أجندة خاصة مصممة على تنفيذها، وهي الحرب على ما سمي بالإرهاب بالذات على العالم العربي والإسلامي بحجة القضاء عليه وملاحقة من وجهوا لها أكبر ضربة في تاريخها مع بداية القرن أينما كانوا لحماية مصالحها، لكن اتضح فيما بعد أن الهدف من كل حروبها الخاسرة هو السيطرة على ثروات هذه الدول، وهذا حسب رأي المحللين قد يكون أحد الأسباب التي أوصلت العالم إلى هذه الكارثة الاقتصادية، لكن في رأيي أن أساس الكارثة هو قرارات حكومة جورج بوش وتقييمها الخاطئ للوقائع وقلبها للحقائق من أجل خدمة مصالحها مما كبد العالم كل هذه الخسائر لذلك ستذكر تلك الفترة كأفشل حقبة في تاريخ السياسة الأمريكية والتي يجب محاسبة المسؤولين عليها. بغض النظر عن هذه الأخطاء التي لا تغتفر فمن الطبيعي أن تقع شركات وحكومات و أفراد في أخطاء لأن هذا وارد في مختلف المجالات، لكن يجب الأعتراف بها وعدم التستر على الحقائق كما هو حال الدول العربية التي كما يعرف الجميع لا توجد بها جهات رقابية وتشريعية قوية ومستقلة تسن القوانين وتنفذها وتحاسب المخطئين مهما علا شأنهم ومكانتهم، إلى جانب ذلك لا يجرأ أحد في الدول العربية على إبداء رأيه صراحة، لأن الساحة مفتوحة فقط أمام من يجامل وينافق ويقلب الخطأ إلى صواب و هؤلاء هم المسموعون من قبل السلطات، بعكس ما يحدث في الدول المتحضرة والمتقدمة حيث يحاسب غالباً المسؤولون عن الأخطاء أو الفساد حتى بعد ترك مناصبهم ولا يستطيعون التهرب من المسائلة القانونية ولو بعد حين، ألم تقم الجهات المعنية بمحاسبة الرجل الأول لسنوات في فرنسا جاك شيراك رغم تاريخه المشرف والعريق!! ورئيس الجمهورية لفترتين وعمدة باريس لعدة سنوات، وكذلك تقوم الجهات الرسمية في إيطاليا بمطالبة محاكمة برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا بسبب سوء تصرفه في الأموال العامة، فهل سمعنا أن مسؤولاً عربياً حوكم لهذا السبب أو ذاك!! هذا هو سبب تقدمهم وتلك من أسباب تأخرنا!!
منذ بداية الأزمة قرأت الكثير حول ما كتب عن أزمة دبي المالية وتابعت بعض التحليلات العربية والعالمية، وبصراحة وجدت في أغلبها الكثير من التجني على دبي إمارة و اقتصاداً، وهذا كان متوقعاً من وسائل الأعلام الغربية لأنها لا تريد النجاح إلا لدولها، ولم تسلم دبي من انتقاداتها قبل الأزمة واستمرت بشدة بعدها، رغم انبهارها بالمكانة التي وصلت إليها دبي وهذا لا يمكن لأحد إنكاره، لكن الغير متوقع هو أسلوب الشماتة الذي انتهجته بعض الصحف العربية والإستهزاء اللامقبول واللأخلاقي، خاصة وأن مواطني هذه الدول استفادوا من طفرة دبي الإقتصادية ومنهم أصحاب بعض الصحف. لكن علينا أن لا نستغرب مواقفهم تلك فالنجاح كما يقال له ألف أب أما في وقت الشدة فالكل يتبرأ. وكما هو الحال في كل المجالات هناك صحف ووسائل إعلام عربية وغربية التزمت الواقعية و الموضوعية في طرح أزمة دبي المالية وأبعادها بكل صدق وصراحة.
على كلٍ الخطأ منا نحن، وسببه المسؤولون عن هذه الأزمة المربكة التي حتى أكثر المتشائمين لم يكن ليتكهن بها، الخطأ في من كان يديرون التجربة الإقتصادية الوليدة والناشئة في إمارتنا، والذين كان عليهم عدم الإستعجال والتصرف المبالغ فيه دون دراية بسرعة التغيير، ودون دراسة أو تخطيط لأزمات متوقعة ودون خطط إنقاذ. والخطأ كذلك في وسائل الإعلام المحلية التي طبلت للنتائج السريعة لبعض الشركات دون تحليل علمي أو طرح للسلبيات التي قد تترتب عنها، ولو كانت تفعل ذلك لكان باستطاعتها الرد على المبالغة في الإساءة التي تعرضنا و نتعرض لها خلال هذه الأزمة. لكن مع الأسف غابت تصريحات المسؤولين عن الأزمة كما غابت تحليلات وسائل الإعلام لها، وتركوا الساحة لكل من هب ودب للتطاول علينا، واكتفت إحدى الصحف المحلية بنقل المدح الذي كتبته إحدى الصحف العربية عن وضعنا الإقتصادي وكأنه لم يعد لديها ما تقوله أو كأن الوضع الحالي لا يستحق الإجتهاد والكتابة فيه على الأقل لتدارك أخطاء أخرى، أهذا هو دور الإعلام في هذه المرحلة ؟؟؟ أين المتسببين في هذه الكارثة ؟؟ إلى متى سوف نترك أفراد يتصرفون في المال العام وكأنه ملكهم الخاص دون رقابة أو مسائلة؟ ؟
أختتم الموضوع بمقتطف من تصريح القائد العام لشرطة دبي الأخ اللواء ضاحي خلفان، “بأن الفساد ظاهرة منتشرة في جميع دول العالم ولا يضر دبي أو يسئ إلى سمعتها مكافحة مسؤولين ثبت فسادهم بقصد جنائي”. فهل دبي قادرة على تصحيح نفسها بسرعة تفاجئ الجميع كعادتها؟؟ أتمنى ذلك وهذا ما يتمناه كل مواطن شريف.