أعلنت كل من حركة حماس و إسرائيل التوصل إلى اتفاق تم بموجبه إطلاق سراح أكثر من 1100 أسير فلسطيني بينهم نساء ، منهم حوالي 400 أسير من الضفة ، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد كان قد أسر في غزة ، وهذا يدل على قوة إرادة حماس ، حيث حاولت إسرائيل استعادة هذا الجندي بكل ما أوتيت من قدرات ذاتية و إمكانيات أصدقائها العرب وبعض حكامهم ، وسَخَرَت لها أمريكا كل التقنيات التكنولوجية لإكتشاف موقع حجزه ، فلم يفلح كل ذلك ، فقامت بشن حرب على قطاع غزة ومحاصرتها من كل الجهات البحرية والبرية بما فيها حدودها مع الأراضي العربية المجاورة ، كما حاولت تقديم كل الإغرائآت الممكنة لأفراد داخل القطاع ، فخاب ظنها ، وكانت إرادة الشعب الفلسطيني داخل القطاع أقوى ، وصبروا وتحملوا إلى أن خرجوا بالألوف لإستقبال أسراهم بفرح وسرور مقابل خيبة أمل الحكومة الإسرائيلية. وهذا لا يعني ضعفها بل بكل تأكيد يبين مدى قوة حركة حماس و إلتزامها بالمبادئ الأساسية ودعم الشعب الفلسطيني لمواقفها. لكن السؤال المطروح هو لماذا لم يكن بين الأسرى المحررين السيد مروان البرغوثي ؟؟ يقول أحد المحللين أن وراء عدم إطلاق سراحه شخصيات في السلطة الفلسطينية بسبب مصالحهم الذاتية ، منها حسب قوله أن خروجه قد يسحب البساط من تحت أقدامهم ، والمعروف أن مروان البرغوثي هو أمين سر حركة فتح ، وكان وراء الإنتفاضة الثانية ولعب دوراً كبيراً في الإنتفاضة الأولى وقد نفاجئ قريباً بمعلومات عن ذلك تنشرها “ويكيليكس”.
أرسل لي أحد الأصدقاء عبر البريد الإلكتروني تسجيلاً مصوراً لحوار بين الناشط والداعم للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وعضو البرلمان البريطاني جورج غالاوي ، ومحاور يهودي يدعى ألكس حول أحقية اليهود في أرض فلسطين وتغيير إسمها إلى إسرائيل ، يقول جورج غالاوي لم يكن من حق الحكومة البريطانية ووزير خارجيتها آنذاك “بلفورد” وعد الصهاينة بإنشاء دولتهم على أرض فلسطين وتسائل : هل استشارت الحكومة البريطانية آنذاك الشعب البريطاني أو اليهود من مواطني أوروبا بهذا الخصوص؟؟ ثم طرح المُحاور قضية الهولوكوست المحرقة ، فرد عليه غالاوي حتى لو كان ذلك صحيحاً ، كان على الحكومة البريطانية والحكومات الأوروبية المتحالفة معها أن تأوي من تبقى من اليهود حيث يقيمون ، وليس إعطائهم أرض يمتلكها غيرهم ، وانقطع التسجيل هنا.
ما حدث هو أن أرض فلسطين سُلمت للصهاينة وسميت بإسرائيل تحت سمع وبصر من لم يريدوا أن يسمعوا أو يبصروا شيئاً ، ومنهم حكومات عربية إما ضعفاً منها أو تواطئاً مع الحكومات الإستعمارية حينها وعلى رأسها بريطانيا ، الدولة العظمى في ذلك الوقت ، وهذا ما جاء في بعض المصادر والوثائق الغربية.
ومع مرور الوقت إستقوت الدولة العنصرية بالولايات المتحدة الأمريكية التي دعمتها وتدعمها منذ عقود ، وتواطئ معها بعض الحكام العرب بغية استمرارهم على كرسي الحكم ، وتتالت الحكومات الإسرائيلية واستمر الدعم الأمريكي مع الأسف جنباً إلى جنب مع التواطئ العربي. وظن الجميع أن الشعوب العربية تستحق ذلك لأنها ضعيفة تصدق كل الأكاذيب المضللة وساكتة على كل الأفعال الفاسدة. إلى أن انطلق الربيع العربي ليخرج الحقائق إلى النور ويفضح ممارسات سكت عنها طويلاً ، ويكشف تواطئ وتعاون كل من كانوا يُـدعون بالثوريين. فمنهم من هرب ، ومنهم من سُجن ، ومنهم من قتل ، ولا أحد يدري ماهو مصير من هم على لائحة الإنتظار ؟ لكن السؤال الذي يطرح نفسه في رأيي وفي رأي الكثيرين غيري ، أين الشعب الفلسطيني من هذا الربيع؟؟ لماذا لم يتحرك للمطالبة بحقوقه خاصة بعد كشف الحقائق وسقوط بعض الحكومات العربية ، وفي ظل ضعف الحكومات الأوروبية والأمريكية ؟؟ فإذا لم يتحرك الآن فمتى يفعل وإلى متى سوف يترك مصيره يحدده القائمون على السُلطة كيف يشاؤون؟؟ أليس كافياً وقوف كل نُشطاء العالم معه ضد تصرف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة؟؟
وكذلك تعاطف وتضامن الشعوب الغربية والإسلامية خاصة بعد الحرب على غزة وحصارها، وتوجه نشطاء ومثقفين من مختلف دول العالم لفك الحصار عنها مما أدى إلى الإعتداء الغاشم على سفينة الحرية التركية ، فهؤلاء وقفوا معهم ضد التصرفات الإسرائيلية لأنهم مدركون أنها هي المعتدية وهي التي تستخدم القوة ضد شعب أعزل ، لكن على أصحاب الحق أيضاً أن يتحركوا ، على الفلسطينين أن يستغلوا الظروف الراهنة التي يمر بها العالم وبالذات أوروبا و أمريكا اللتان تعيشان أسوأ أزمة إقتصادية قد تحتاج إلى معجزات للنجاة من الإنهيار و الإضطراب الذي قد تسببهما.
إن السلطة الفلسطينية تتحرك سياسياً بقدر إمكانياتها لكنها تتكل على الدول الغربية و أمريكا بشكل خاص ، إلى جانب ذلك هذه الدول لا ترى حراكاً أو ضغطاً شعبياً ضد إسرائيل فكيف ستساعدهم؟ فإسرائيل ومن ورائها الحكومة الأمريكية لن تستسلم بسهولة وعلى الشعب الفلسطيني أن يدرك ذلك ويتعلم الدرس من الربيع العربي وكيف أن حكومات غربية و أمريكا بصفة خاصة تخلت عن حكام عرب كانوا من أقرب المقربين لها وتحت إمرتها ، وفي ظل الظروف الداخلية التي تعيشها الدول الغربية حالياً سوف تكون مُجبرة لسحب كل إلتزاماتها مع الفلسطينيين خاصة وأن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالكيان الصهيوني ثابت ، لأن مصالحهما مرتبطة ، لكن بالضغط المتواصل يمكن للشعب الفلسطيني تغيير وضعه وإنهاء الإحتلال والتحكم الإسرائيلي في دولته ، ووضع حد لمعاناته كما حصل ويحصل في بعض الدول العربية التي تحررت من أنظمة فاسدة ومستبدة وما بالك بشعب يتحرك ضد دولة مغتصبة ، فالحرية والحقوق لا يمكن أن تأتي دون تضحيات ، والربيع العربي لن يكتمل إلا بدخول الشعب الفلسطيني طرفاً فيه وقد تتحرك لمساندته كل شعوب العالم لأنه صاحب حق ويعاني منذ عقود. قد يقول قائل إن الشعب الفلسطيني لم يهدأ ولم يسكت يوماً ، لقد ناضل من أجل تحرير أرضه منذ بداية الإحتلال وقبلها منذ إنشاء الكيان الصهيوني ، نعم هذا صحيح لكنه غير كاف ، لأن نِضاله كان بواسطة مجموعات وليس بشكل شمولي وجماعي ، وفي استطاعتهم اليوم تغيير أوضاعهم في ظل الصحوة التي تعيشها الشعوب العربية ، فإسرائيل كما نعرف لا تستطيع الإستمرار طويلاً في أوضاع غير مستقرة حتى لو لم تكن حرباً ، والغرب والولايات المتحدة بوضعهم الإقتصادي لا يستطيعون الإستمرار في دعمها مادياً وعسكرياً أكثر من ذلك وسوف تكون أولوياتهما إصلاح نظامهما الداخلي. فهل حان الوقت لكي يغتنم الشعب الفلسطيني الفرصة المواتية الآن ويتحرك على جميع المستويات ضد الكيان الصهيوني؟ نتمنى ذلك ، حينها ستقف معه كل الشعوب وكل أحرار العالم إلى أن يأتي النصر بإذن الله.