يردد صديق مراراً وتكراراً بأن الأزمة الإقتصادية مستمرة على المدى البعيد ولا يمكن تجاوزها بهذه السهولة ولا زال العالم يعيش فترات حرجة على جميع المستويات يصعب التنبؤ بما سوف تسفر عنه وقد يكون عام 2011 أسوأ من عام 2010. وفي الفترة الأخيرة قرأت مقالاً بقلم خبير إقتصادي في إحدى الجرائد الإنجليزية المعروفة يؤكد ما يقوله صديقنا، وهنا أدون بعض ما ورد في المقال: القادم أسوأ بالنسبة لأوروبا أو أمريكا لأن أغلبية الحلول المطروحة تحتاج إلى زمن لتطبيقها في ظل شبح أزمة متفاقمة في كل دول أوروبا المهزومة اقتصادياً والغارقة في الديون. فكيف يمكن لدولة تسديد قرض لدولة أخرى وهي مديونة؟ أي أن اقتصاد هذه الدول يدور في حلقة مفرغة من ناحية، ولا يستطيع مواجهة اقتصاد التنين الصيني الصاعد بلا رحمة إلى القمة من ناحية أخرى.
يدور في حلقة مفرغة من ناحية، ولا يستطيع مواجهة اقتصاد التنين الصيني الصاعد بلا رحمة إلى القمة من ناحية أخرى. أما عن الولايات المتحدة فكذلك إلى جانب تخوفها من أن تأخذ الصين مكانتها كقوة عالمية الذي يقره جميع المسؤولين فحتى الآن لم ينجح الرئيس باراك أوباما في سياسته الإقتصادية والدليل إنخفاض شعبيته لأن الشعب الأمريكي لا يهتم بالسياسة الخارجية بقدر ما يريد رفع مستوى المعيشة وتحسين دخله اليومي، ويعترف الكاتب بأن الأزمة الإقتصادية الحالية لن تحل بسهولة وقد تفشل هذه السياسة المطروحة أو تلك وقد يتطلب الأمر دراسة بدائل والقيام بعدة تجارب للوصول إلى الحل المناسب، مع ذلك فالكاتب متفائل على المدى البعيد، ويؤكد أن ما حدث كان نتيجة تصرفات بعض الأفراد في الحكومات السابقة وقد أبدى هو وغيره من الخبراء حينها ملاحظاتهم على هذه التصرفات وحذروا من العواقب لكن بسبب الطفرة والبهرجة الإقتصادية التي عمت العالم حينها لم يلتفت المسؤولون إلى مثل هذه التحذيرات وغيرها والتي كانت تنم عن خبرة مفكرين اقتصاديين حقيقيين وركضوا وراء أحلام وخيالات مطبلين وانتهازيين، ويعتقد الكاتب أن المسؤولين الحاليين سوف يعملون بكل تأكيد على تجاوز وتفادي مثل هذه الأخطاء وعلى محاسبة من تسبب فيها ولو طال الزمن، لأنهم هكذا يفكرون وهذه هي مبادؤهم في أوروبا و أمريكا. أما في آسيا فقال لي صديق آخر أنه قرأ في إحدى الصحف الأجنبية أنه بعد مرور أسابيع فقط على الأزمة الإقتصادية العالمية، قام رئيس وزراء إحدى حكومات شرقي آسيا التي تأثرت دولته التي كان يضرب بها المثل كغيرها، بالإجتماع بوزرائه في جلسة خاصة واقترح عليهم البدء بتغيير أشياء بسيطة للوصول إلى حل المشاكل الكبيرة، وأمر بتقليل المصاريف المكتبية، من أحجام المكاتب مساحة ومظهراً وحتى الأقلام والأوراق، ومن ثم التفكير في تقليل المصاريف الحكومية الأكبر كميزانية المؤسسات الحكومية في السنوات القادمة و وضع خطة خمسية لها، وهكذا بدأوا أول خطواتهم مع اندلاع الأزمة بميزانية مختلفة عن سنوات الرخاء الإقتصادي المزيف الذي اختفى كما ظهر. هكذا تفكر الدول التي تعيش الواقع بعيداً عن الخيالات السينمائية ولهذا تنجح وتتقدم …. فماذا عنا؟؟ خلال الطفرة الإقتصادية تم إنشاء مؤسسات ودوائر كثيرة كانت في الأصل أقساماً تابعة لدوائر أخرى، وكأن ذلك تستوجبه الضرورة، لكن كما تم التغيير في زمن التقدم والرخاء، لابد من الإعتراف بالخطأ والرجوع إلى الواقع وإعادة الأمور إلى نصابها في زمن الأزمة، لأن الإستفادة من أي قرش هنا أو هناك مهم جداً والتقليل من حجم المصاريف أكثر أهمية من الإستمرار والمبالغة في الصرف. فبعض المسؤولين يتصرفون في المال العام وكأنه ملك خاص، بل أجزم أنه لو كان ملكهم لحرصوا عليه فأين الرقابة؟؟ ويتابع الصديق و يقول أنه زار مكتب مسؤول واندهش من فخامته ومساحته، فالمكتب يفوق مكتب أي رئيس دولة أو رئيس وزراء أوروبي!!!
وهناك مؤسسات أخرى مصاريفها تتزايد بشكل غير معقول نتيجة مغامرات في إتخاذ القرار عند المسؤولين عنها وانفرادهم بالرأي دون الإهتمام بالمصلحة العامة أو الإكتراث بالعواقب، ولو أن رواتب بعضهم تفوق راتب رئيس وزراء بريطانيا بأضعاف. إن النزاهة لا تعني فقط عدم قبول الموظف العام للرشوة أو أخذه مالاً عاماً دون وجه حق، إنما النزاهة تعني كذلك بذل الجهد للتقليل من المصاريف العامة وتعني التصرف السليم في الأموال العامة، والنزاهة جزء لا يتجزأ من واجبات أي موظف عام. فإلى متى تترك بعض التجاوزات دون حل جذري؟؟
وإلى متى لا نعترف بالأخطاء؟؟ فالأخطاء واردة في كل موقع وفي أي وقت والإعتراف بها هو الذي يوصلنا إلى جادة الصواب وبر الأمان وإلى التقدم.