قبل سنوات كتبت في جريدة البيان موضوعاً تحت عنوان ( النووي الإيراني و الإسرائيلي والعرب ) واليوم و بعد الربيع العربي ، تتطلع الشعوب العربية إلى مقاومة أكبر تجاه العدو الصهيوني و أملهم في مصر الدولة التي قد تقود العـرب إلى مستقبل أفضل و إلى مكانة مشرفـة ، وقوة يعمل لها ألف حساب في الشرق الأوسط ، خاصة والعدو المشترك للعرب إسرائيل لم يعد يشكل تهديداً فحسب و إنما أصبح يصول ويجول داخل الدول العربية دون حسيب أو رقيب اللهم إلا بعض الإدانات هنا و هناك فتمادى أكثر بعد أن غرقت بعض الأنظمة العربية في أزماتها.
بعد الإعتداء الإسرائيلي على مصنع اليرموك الحربي في السودان ، صرح وزير الإعلام السوداني ، بأن السودان سوف ترد على هذا الإعتداء في الزمان و بالأسلوب المناسبين ، مثل هذه التصريحات أصبحت مستهلكة وشعار يتردد عقب كل إعتداء إسرائيلي ، وكأنها أول مرة تقف فيها السودان عاجزة عن فعل أي شيء ، و الظاهر أنه إلى الآن لم يحن الزمان أو الأسلوب المناسبين للرد ، ولا حتى السعي للمطالبة بإدانة دولية ، فمن أجل البقاء على كرسي الحكم والإنفراد بالسلطة سوف نسمع دائماً مثل هذا الرد في الكثير من الدول العربية !!!
لكن هذه المرة خرجت لنا بعض الصحف الممولة من بعض الدول العربية لتؤكد إدعاءات إسرائيل ، بأن مصنع اليرموك كان ينتج أسلحة لحركة حماس وبدعم إيراني وكأنما تريد أن تقول حسناً فعلت إسرائيل !!!
فإذا كان مصنع اليرموك الحربي هو مصنع لإنتاج الأسلحة الخفيفة و الذخيرة أو حتى لإنتاج قذائف و صواريخ ، ماذا سيفعل لحركة حماس أمام أسلحة إسرائيل الحديثة والمتطورة ؟؟
هذا الإعتداء الإسرائيلي السافر ليس إلا رسالة موجهة إلى الدول العربية بأن إسرائيل لها أذرع طويلة قد تطال أي بقعة عربية في الزمان و بالأسلوب المناسبين بالفعل وليس بالقول والكلام المستهلك !!!
لكن هل سيظل الوضع العربي هكذا ؟؟
فلنضع سيناريوهات مستقبلية للأوضاع العربية بعد التغيير ، ماذا لو فكرت أية حكومة مصرية بإنشاء محطة للطاقة النووية ، وهذا وارد حسب الإمكانيات المصرية البشرية و المادية ، فهناك مئآت من العلماء المصريين في الداخل و الخارج يستفيد الغرب من علمهم و خبراتهم ، وكيف سوف يرد الغرب و إسرائيل لو فكرت مصر في مثل هذا المشروع ؟؟
وكيف سيكون موقفنا نحن العرب ؟؟ هل سوف نتصدى لهم أم نقف ضد مصر ؟؟
بكل تأكيد سوف تقوم الدنيا ولا تقعد في إسرائيل ومن ورائها الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد تقوم إسرائيل بالإعتداء على مصر و القضاء على مشروعها قبل أن يبدأ ، و الكل متأكد أن إسرائيل سوف تفعل ذلك و لن تسكت مهما كان الثمن .
قبل أيام عرضت فضائية تركية برنامجاً وثائقياً يبين أنه بعد الحرب العالمية الثانية ، قدمت الدول الغربية وعوداً و بطاقة مفتوحة للصهاينة ضد أية حكومة في الشرق الأوسط تهدد قيام إسرائيل ، فما بالنا بإنشاء أو حتى التفكير في مصنع يضر بمصالح إسرائيل ويهدد وجودها؟؟
إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة سوف تدعم إسرائيل إلى الابد ، لأنه حسب الفيلم الوثائقي لدى إسرائيل معلومات و إتفاقيات سرية عن هذه الدول لذا هي مضطرة لدعمها و الخضوع لكل شروطها .
أما الإعتداء على مصنع اليرموك فيجب أن يكون درساً لنا ، و علينا الإستفادة منه و على العرب الوقوف صفاً واحداً لمواجهة عدوهم المشترك إسرائيل ، التي لا تكل ولا تمل من ضرب إخوة لنا في غزة كباراً و صغاراً بكل قوتها و جبروتها ، و الحكومة الأمريكية تقول بكل وقاحة بأن الدفاع عن إسرائيل واجب ، وكأنها ولاية من الولايات الأمريكية ومن يقف في وجه إسرائيل و يدافع عن أرضه في رأيها إرهابيون كما تصفهم كذلك إسرائيل فأمريكا قدمت كالعادة الدعم المادي و العسكري خلال الإعتداء على غزة كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي . إذاً المقاومة ناضلت ضد أمريكا قبل إسرائيل .
بعد الزيارة المشرفة لأمير دولة قطر الشقيقة لغزة و إعلان دعمه المادي والمعنوي لأهاليها إعتبرت إسرائيل ذلك دعماً للإرهاب . ولم تنتظر كثيراً للقيام بالإعتداء على قطاع غزة و أهاليه العزل ، و فاجئت المقاومة الباسلة هذه المرة إسرائيل ولم تسمح لها بتحقيق أغراضها إلى أن نفذ كل ما لديها من القوة و الغطرسة فاضطرت إلى الخضوع للأمر الواقع ، خاصة مع التكاتف و التضامن العربي و زيارة مجموعة من المسؤولين العرب لقطاع غزة و كأنهم يقولون لإسرائيل بأن الأوضاع تغيرت في الوطن العربي ، لذا قامت وزيرة خارجية الولايات المتحدة بزيارة إلى القاهرة ليس حباً في أهالي غزة إنما خوفاً على إسرائيل وبقاء كيانها لأنها أدركت أن إسرائيل لن تستطيع الصمود طويلاً أمام رجال يناضلون بإرادة و شجاعة ، من أجل الدفاع عن حريتهم و أرضهم و ليت أهالي الضفة وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية يدركون ذلك .
أما بالرجوع إلى موضوعنا وهو الرد الإسرائيلي و الأمريكي على مشروع مصر المتوقع وهو إنشاء محطة للطاقة النووية حتى لو كانت للإستخدام السلمي . فإذا إستمر التحرك العربي الشعبي بهذا الشكل فلا الغطرسة ولا الجبروت الإسرائيلي ولا الدعم اللامحدود الأمريكي سوف يقفون في وجه إرادة الشعوب العربية التي سوف تفرض على حكامها إتخاذ قرارات فاعلة و قوية على الأقل لإسترجاع بعض من الكرامة العربية ، نتمنى أن يحدث ذلك قريباً و لا نضطر لإنتظار الزمان و الأسلوب المناسبين !!!