كلما قامت ثورة شعبية في بلد عربي على فساد النظام وطالبت برحيله، كلما قامت مجموعة حول هذا الرئيس أو ذاك بالدفاع عن نظامه وتبرير أن ما حدث ويحدث في هذه الدولة أو تلك بعيد عنهم، فنظامهم مختلف لأنه “عادل ونظيف!!” لذلك الشعب متمسك به!!!! وكأنهم بتلك التصريحات الغبية يتكلمون عن كوكب آخر، أو يريدون القول بأن الشعب نائم، ولا روح فيه، ولا علم له بما يحدث، وإنهم كمسؤولين عن النظام أحكموا الإغلاق على خفايا الفساد والإستبداد، ولم يخطر ببالهم أنه في عصر التكنولوجيا الحديثة أصبح كل شيء مكشوفاً مهما حاولوا التستر عليه. حدث ذلك أثناء ثورة شباب تونس، حيث صرح حينها أكثر من مسؤول مصري عن إستحالة انتقال ما جرى في تونس إلى مصر لأن الأوضاع مختلفة، وعندما قام شباب مصر بالثورة تكررت مثل تلك التصريحات من مسؤولين في دول عربية أخرى. مع ذلك قامت وتقوم ثورات شبابية هنا وهناك وقد تتحقق المطالب الشعبية في بلد عربي بسرعة وقد تتأخر في آخر، حسب ظروف وإمكانيات شعوب تلك الدول، لكن معاناة الشعوب من النظام في أغلبها متشابهة باستثناء القليل منها. فيا ترى ماالذي فجر كل هذه الثورات وكشف كل هذه الحقائق؟؟ هل هي وثائق ويكيلكس؟؟ أم قناة الجزيرة؟؟ أم بكل بساطة صحوة الشباب الذي لم يقبل على نفسه الإستمرار في العيش في ظل الأكاذيب والتصريحات المضللة، ولم يرضى بالإستبداد والظلم، ولم يسلم بأن يكون قدره السكوت على فساد النظام والخضوع له، فجاءت الثورات التي كشفت المستور الذي كان يعرفه الجميع ولم يتجرأ أحد على البوح به، ولم يعرف ذلك المفسدين فتجرأوا على الإستمرار فيه. ومن بين البلاوي التي كـُشفت خلال الثورات الأخيرة ظهر مرة أخرى إلى السطح النفاق السياسي هذه الآفه المستتبة في المجتمعات العربية منذ زمن بعيد. فظهرت حقيقة أشخاص كنا نسمع منهم قبل فترة وجيزة مدحاً وثناءً على النظام، فتغيروا مع تغير الأوضاع وأصبحوا يقولون العكس، ولم يأبهوا بأن لا أحد يصدقهم بل المهم عندهم هو إيجاد طوق نجاة بأي ثمن لتبرئة مواقفهم. إن النفاق السياسي آفة تكاد تكون خاصة بالعرب، لأنها أكثر انتشاراً في دولهم وبسببها انتشر الفساد واستفحل في المجتمعات، إذ كلما زاد النفاق زاد الفساد والمسؤولون لا سامح الله بعيدون عن النفاق وعن الفساد كل البعد!!! لذلك لابد وأن يدفعوا في يوم ما ثمن غرقهم فيه بإرادتهم واختيارهم.
إن الشعوب العربية، وعلى رأسها حالياً مصر وتونس تطالب بمحاكمة المفسدين الذين أفقروا الشعوب وتآمروا عليها واستولوا على مقدراتها دون وجه حق باعتقادهم أنهم النخبة وأنهم الأفضل والأذكى، فتلاعبوا بأموال الدولة وسرقوها دون حسيب أو رقيب، وكان أسلوبهم المعتمد للوصول إلى ذلك، النفاق الذي مهد لهم التقرب من السلطة ومن ثم استغلال النفوذ والسيطرة على المال العام، لكن على غفلة منهم جاءت المظاهرات والإنتفاضات الشعبية، ولم يتخيلوا أن تقوم ثورة الشباب الذين هم النخبة عن حق، لأن مطالبهم شرعية، لم تكتف بالإطاحة بالنظام والقضاء على الفساد، بل طالبت واجتهدت لمحاسبة كل من سولت له نفسه الإستيلاء والإستنفاع من المال العام دون وجه حق. والسؤال المطروح هو من المفسد فعلاً، أهو النظام، أم من حوله؟؟ يقول أحد الأصدقاء، الاثنين معاً، لأنهم اتفقوا على العيش من نفس الوعاء، ومقاسمة أموال الشعب والوطن كل حسب رتبته، الأكبر يأخذ الأكثر، والأصغر يتنعم بالباقي وأحياناً كل يستغل موقعه دون علم الآخر، ومهما أكلوا لا يشبعوا فالشيطان يزين لهم أكل المزيد، فكبرت الثروات وتضخمت إلى أن أصبحت بالمليارات التي نسمع عنها الآن في مصر والتي يعجز عقل أي أحد على استيعابها، فالمثقفون يتسائلون إلى أية مكانة كانت سترتفع أوطانهم لو استنفعت بهذه الأموال، أما المواطن البسيط فيتسائل ما حاجة فئة قليلة لكل هذه المبالغ؟؟ وردتني رسالة عبر البريد الإلكتروني تقول: (إن الإسلام أكد مراراً وتكراراً على أن المفسد والمنافق عدو الله) فهل سنشاهد قطع يد أحد هؤلاء المفسدين أو محاكمتهم علناً ليكون عبرة لمن لا يعتبر؟؟
نتمنى في زمن الثورات الذي نشهده الآن أن يُبعد الحكام العرب عنهم المنافقين والمفسدين، كما نتمنى أن تبتعد وسائل الإعلام العربية عن المجاملات ونشر الأكاذيب، فها هي الثورة في مصر تطيح بمسؤولين إعلاميين ورؤوساء تحرير صحف عربية، منهم من كان يدافع عن النظام السابق، مع أن بعضهم حاول تغيير جلده في الفترة الأخيرة، وهذا أكبر دليل على أنه لا يصح إلا الصحيح مهما طال الزمن.