يقول نزار قباني:
أنا يا صديقي متعــب بعـروبتي
فهـل العروبة لعنـة وعقــاب
قرأت مقالاً للدكتور مصطفى الفقي في جريدة الخليج بتاريخ 10 أغسطس تحت عنوان “السودان إلى أيـن يمضي” وما ورد في المقال بشأن السودان لا يستطيع أحد أن ينكره أو يزايد عليه باعتبار أن الدكتور مصطفى الفقي سياسي قدير واسع الإطلاع، لكن ألا يعتقد الدكتور مصطفى أن السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعاً في الوقت الحاضر هو، الوطن العربي إلى أين يمضي؟ هذا الوطن بامتداد رقعته بشماله وجنوبه وشرقه وغربه، من حدود أوروبا ماراً بقارة أفريقيا وصولاً إلى آسيا، وبمساحاته الكبيرة وإمكانياته الطبيعية الهائلة إلى أين يمضي؟؟
ما اللذي جرى ويجري للأراضي الفلسطينية بعد تقسيمها وتقطيعها إلى أجزاء؟؟ وإلى أين مضى ويمضي العراق بثرواته الهائلة وعلى ماذا سينتهي؟؟ ومالذي حل باليمن السعيد ولماذا؟؟ وأين يمضي الجزء المُشرق للوطن العربي لبنان العروبة؟؟ ومتى ستنتهي أزماته؟؟ ويكاد الوضع يكون متشابهاً في كافة الدول العربية وربما تكون النهاية كذلك رغم اختلاف السلطة في المظهر وتشابهها في الجوهر لأن أغلبها يرضخ لمطالب نفس الدول التي مصالحها السيطرة والتحكم في ثروات الدول العربية بواسطة وكلائها في بعض الحكومات وزرع الفتنة و الإنقسام داخلها.
كنا فيما مضى نقول أن الإستعمار الغربي هو السبب في تقسيم الوطن العربي لكنني أكاد أجزم اليوم أننا نحن من قطـّعَهُ وجَزَأهُ بإرادتنا ورغبتنا، هذا الوطن الذي كان يستطيع بإمكانياته الهائلة منافسة أمريكا و أوروبا، لكنه إلى أين يمضي اليوم؟؟ ولماذا لسنا من صناع القرار في العالم الحديث، أو على الأقل ليست لنا بصمة فيه؟؟ ومن المسؤول؟؟ أهُم الطامعون في ثرواتنا؟؟ أم الحكام الذين جاؤوا في منتصف الليل للسيطرة على الحكم بعد أن انتقدوا وطعنوا من سبقوهم؟؟ أم تخاذل الشعوب ولا مبالاتها، أم عجزها على مواجهة القمع وتكميم الأفواه الذي تعودت عليه؟؟ إن المسؤولية الأولى تقع على الشعوب العربية بسكوتها وقبولها بكل ما يجري في أوطانها ورضوخها للواقع حتى لو كان فاسداً، ومن خوفها من السلطة لا يمكنها مواجهتها، فحتى لو تغير الأشخاص فإن كرسي الحكم لا يتغير لأن مرض السلطة في الدول العربية مُعدٍ وكل من يأتي إلى الحكم يحذو حذو من سبقوه حتى لو انتقدهم في البداية بأنهم عملاء للإستعمار أو ناهبوا ثروات الشعوب لكن بعد فترة وجيزة يصبحون أسوأ ممن سبقوهم، فلماذا لا يحصل هذا إلا في الدول العربية؟ ولماذا الفقر والبطالة والفساد لا ينتشرون بكثرة إلا في الدول العربية؟؟ ألأن من يتحكم في مصير أغلب شعوبها أفراد لا هَمّ لهم إلا مصالحهم الخاصة، والوطن لا يعني لهم سوى اسم على بطاقة الهوية؟؟
فإلى متى سوف تظل الشعوب العربية تائهة بين الخوف والسكوت على مرارة الواقع؟؟ وإلى متى سوف تظل تتفرج على الخراب والدمار المحيط بها من كل جانب دون حراك؟؟ ألم تعي بعد أن المتسبب في ماحدث ويحدث هو بعض الأنظمة الدكتاتورية التي مصلحتها للإستمرار على كرسي الحكم، هو أن تبقى الشعوب خائفة خاضعة خانعة لكي تتحكم في مصائرها لأنها في الأصل لا هَمَّ لها سوى خدمة وإطاعة دول لها مصالحها عندنا؟؟ أهناك أكثر وأكبر من أن تتحكم فينا دولة بحجم أصغر دولة عربية وهي إسرائيل؟؟؟ والغريب في الأمر أن نسمع مؤخراً وباستمرار من بعض الخبراء الإستراتيجيين من مصر أن إسرائيل طرف فيما جرى ويجري في السودان، أي بمعنى أن مصر بكل إمكانياتها ومصالحها المشتركة مع السودان لا تستطيع إيقاف إسرائيل عند حدها وحدودها، وكأن السودان يقع عند حدود الصين!!!
فلماذا لا نأخذ درساً من تركيا التي كانت تسمى حتى وقت قريب الدولة المريضة والضائعة بين العسكر والحكومات الفاسدة و أًصبحت بالديمقراطية مضرباً للأمثال؟؟ فها هي تتقدم وتزدهر اقتصادياً وسياسياً حتى أصبحت تتنافس على ودها كثير من الدول على رأسها أوروبا والولايات المتحدة.
إن حب الإنسان لأرضه ووطنه لا يمكن المزايدة عليه، لكن هذا الحب يجب أن تأتي في مقدمته المصلحة العامة أي مصلحة الوطن وخدمته قبل أي شئ، لأنه جزء منا ولا نستطيع أن نعيش دونه، حتى لو كان هناك من لا يفكر إلا في مصلحته الذاتية إلا أنه في المقابل هناك دائماً من يحب وطنه كما يحب نفسه.
قال مفكر عربي في منتصف القرن الماضي أخذنا من الغرب أفضل مالديهم وهي الديمقراطية، وأسأنا إليها. فلو عاش الآن لتحسر على ما نأخذه من الغرب اليوم وعلى رأسه التكنولوجيا فهم اخترعوا الإنترنت لينشروا عليه تقدمهم واختراعاتهم في كافة المجالات أول بأول لإفادة البشرية، وليتواصلوا مع العالم في ثوان، أما بعض العرب فيستخدموه لنشر فضائح بعضهم البعض والجهر بخلافاتهم ليتفرج العالم عليهم في ثوان!!!