وصلتني رسائل عبر البريد الإلكتروني حول ما كتبته تحت عنوان “الأخ العقيد…. إلى متى؟؟” وجميعها تقريبا تتفق معي حول التصرفات الغير معقولة والغير منطقية للأخ العقيد. يقول أحدهم: أهو الوحيد الذي يتصرف بهذا الشكل، ألا تعتقد أن هناك آخرين، منهم من يواجه ثورات شعبية حالياً يتصرفون بنفس المنطق والأسلوب وغير مبالين بمطالب الشعوب؟؟
وآخر يتسائل: لماذا يتدخل الأوروبيون والأمريكان في الشأن الليبي بشكل مباشر، وفي الشأن السوري بشكل غير مباشر؟! وما مصلحتهم في ذلك، وفي قيام دول عربية ديمقراطية قد تأتي إلى الحكم بأحزاب وشخصيات تعمل ضد مصالحهم وضد تاريخهم الإستعماري؟؟ وبكل تأكيد قد تأخذ موقفاً ضد ربيبتهم إسرائيل التي يعملون لها ألف حساب لأنها على الأقل هي التي تدير السياسة الخارجية الأمريكية بلوبياتها، فماذا ستفعل أمريكا إذا حوصرت إسرائيل بين أنظمة عربية ديمقراطية؟؟
فهاهي الحكومة المصرية المؤقتة استطاعت تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية وتوفقت في تحقيق المصالحة بينهم وهي الآن تدرس وقد تعيد النظر في إتفاقية إمداد إسرائيل بالغاز، وقد تأتي حكومة ديمقراطية منتخبة تأخذ مواقف أقوى من الكيان الصهيوني، هذا الكيان الذي صرح أحد مسؤوليه أن الرئيس المصري السابق كان أحد الأصدقاء المقربين والداعمين لإسرائيل.
نعم هناك سؤال يحيرنا جميعاً وهو لماذا يتدخل الغرب في شأن بعض الدول، كليبيا مثلاً ويدعم الثورة فيها؟؟ فهل هذا حباً في الشعب أم لمصلحة أو غرض في نفس يعقوب؟؟ وإلا لماذا السكوت عما يجري في اليمن الذي قد يكون شعبه أكثر معاناة من الظلم والدكتاتورية؟؟ على كلٍ مهما كان السبب فالتدخلات الغربية لا تعني أن شعوب هذه الدول ليست على حق بل العكس لأن حكامهم هم السبب فيما وصلوا إليه، وأغلبهم وصل إلى كرسي الحكم دون إرادة الشعوب وليتهم بقوا عليه لفترة وتركوه للآخرين، لكنهم طمعوا في السلطة والجاه إلى أن وصلت بهم أطماعهم إلى التخطيط لتوريث الحكم أو إعطاء مراكز القوة في البلاد إلى مجموعة من أقربائهم ومعارفهم من المفسدين والمنافقين ليتقاسموا ثروات الوطن في ما بينهم وتركوا أغلب المواطنين في حالة فقر وجهل وبطالة. ومع قيام الثورات كان بإمكانهم احتوائها وتحقيق مطالب شعوبهم لكن التشبث بالكرسي هيأ لهم أن الوضع قد يمكن السيطرة عليه وعاندوا في التخلي عن كل الإمتيازات التي حصلوا عليها دون وجه حق وهذا العناد هو بداية السقوط إلى الهاوية، فياليتهم اتعظوا من مصر وأيقنوا بأن لا أحد فوق المسائلة القانونية مهما طال الزمن ومهما علا شأنه في فترة ما.
وفي سوريا أغلب المتابعين إعتقد أن الوضع سيكون مختلفاً وأن القيادة ستتجاوب مع مطالب المحتجين لتجنب تفاقم الوضع. وشخصياً فوجئت وإستغربت من تصرفات رجال الرئيس بشار الأسد وإجرائاتهم الخاطئة التي فجرت الأزمة بين القيادة والشعب وقد تستفحل وتفشل كل المساعي لإيقافها، وتذكرت أيام مضت حين إلتقيت الرئيس بشار الأسد مرتين الأولى حين كان ابن الرئيس في زيارة لمدينة دبي وأعتقد أنه حينها لم يكن يتوقع أن يصبح رئيساً في يوم من الأيام وأعجبت برؤيته وأفكاره عن الوطن العربي ووطنه سوريا وكيف يمكن أن تتقدم إلى الأفضل وتواكب التطورات الحاصلة في العالم خاصة وإن العرب كما قال يمتلكون إمكانيات وقدرات هائلة تجعلهم في مقدمة الدول كما كانوا في ما مضى، أما المرة الثانية فالتقيـت به في دمشق بعد أن أصبح رئيساً وكان ذلك ضمن زيارة رسمية بدعوة من محافظ دمشق، ووجدته نفس الإنسان الخلوق المتواضع، وخلال الجلسة تعرفت على أفكاره من جديد بعد أن أصبح رئيساً، واعتقدت أن الفرصة التي سنحت لهذا القائد الشاب سوف تمكنه من ترجمة طموحاته لشعبه ولوطنه على أرض الواقع، ويستطيع إنشاء سوريا عصرية قوية تنافس الدول المتقدمة وتسبق الدول العربية، وتلتزم بمواقفها الأخلاقية والوطنية والقومية التي نهجتها دائماً في مواجهة العدو ومقاومته، وتوقعت أن ينطلق هذا القائد بعقليته ونضجه الفكري بسوريا إلى عصر النهضة والتقدم خاصة التقدم السياسي والاقتصادي، وتمنيت خلال تفجر الوضع أن يتصرف تجاه مواطنيه في المحافظات المختلفة بأسلوب غير الذي تابعناه عبر الفضائيات وتمنيت أن لا يترك زمام الأمور بيد فئة سعت الى إشعال فتيل الثورة بدل إحتوائها، مهما كانت هذه الفئة قريبة منه، ومهما حاولوا تزييف الحقائق له، فمن المفروض أن لا يسمح لهم بذلك، فهو شاب ذكي مدني محبوب من شعبه، وليس عسكرياً دموياً، لذا كان عليه أن لا يتجاهل مطالب المتظاهرين أو يواجهها بالقمع والقتل، وأن لا يسمح بإراقة الدماء مهما كانت الأسباب، خاصة والكل تابع ما الذي جرى لرؤساء عرب قبل أشهر، وما الذي يمكن أن يحدث لغيرهم إذا فقدوا شرعيتهم.
كنت أظن أنه سوف يعزل كل من يفتقر الى الكفاءة في إدارة أمور الدولة، وكل من ساهم بشكل أو بآخر في تفجر الأوضاع، وأن يسعى الى الحوار المباشر مع المتظاهرين لتحقيق مطالبهم، وقد تكون هذه بداية الإصلاح وتخفيف معاناة الشعب السوري الذي بكل تأكيد سوف يقدر له هذا الموقف، لكن عكس ذلك حصل، واجتهد المقربون منه ومستشاروه بالإدعاء بأن ما يحصل داخل سورية هو مؤامرة خارجية غربية إسرائيلية ضد حكومتها. بدل القيام بخطوات إيجابية لعلاج الوضع الذي قد يحتاج حالياً أكثر من ذلك ليتعافى، فالشعب السوري لم يقبل بهذا الكلام المستهلك، أو بتزييف مطالبه الشرعية، فهو اليوم كغيره من الشعوب العربية التي تريد حرية إختيار حكومات تعمل معها ولا تقودها، تتحمل مسؤوليتها في تحقيق المطالب الإجتماعية ولا تمارس سلطتها في سحقها، تنمي ثرواتها ولا تسرقها أو تهدرها، فلقد اكتفت الشعوب من الإدعاءات الكاذبة والإصلاحات الوهمية، ومن حكام هدفهم البقاء على الكرسي لخدمة مصالحهم وليس لخدمة الوطن والشعوب.