عند السفر ، لكل منا رأيه و ذوقه في المكان الذي يحب زيارته ، لأسباب مختلفة منها الطقس أو الفنادق أو المعالم السياحية فكل منا يبحث في المكان الذي يود زيارته عن وسائل الترفيه و الراحة التي تناسبه ، لذا ما يعجبك قد لا يعجب غيرك.
قبل زيارتي الأخيرة إلى جزيرة لنكاوي التي تقع في الشمال الغربي من مملكة ماليزيا بالقرب من تايلاند ، سألت بعض الأصدقاء فكانت الردود مختلفة ، فهناك من أعطاني انطباعاً جيداً عن الجزيرة و روعة طبيعتها و هدوئها و فخامة فنادقها ، و هناك من كان رأيه عكس ذلك تماماً ونصحني بتغيير الوجهة ، و لأنني عزمت، قررت الدخول في مغامرة الذهاب إليها لأول مرة إذ سبق و زرت كوالالمبور مرات عديدة و جزيرة بينانغ.
لنكاوي أكبر جزيرة من كوكبة جزر ماليزيا ، كان محل إقامتي في شمالها الذي يختلف عن الجنوب حيث الفنادق الفخمة المطلة على البحر مباشرة توفر لزوارها أعلى درجة الرفاهية ووسائل الراحة و الإستجمام ، فشواطئها نظيفة تسر العيون برمالها البيضاء و هوائها النقي و الجاف ، على الأقل في الفترة التي زرتها ، مما جعلني أقضي الإجازة على شاطئها و تحت ظلال أشجارها . الفندق أقيم منذ أقل من 8 سنوات وسط غابة مليئة بأشجار مختلفة و متنوعة لازالت تقطنها طيور وزواحف و قردة ، تفاجئك بين الحين و الآخر بأصواتها أو بالمرور بين الأشجار أو بالظهور على شرفة غرفتك.
الخدمات كانت متميزة ولا تختلف عن خدمات أغلب جزر دول شرقي آسيا ، المشهورة بحسن الضيافة و الإستقبال ، نسبة الماليزيين العاملين في الفندق تفوق 95% و الباقي من مواطني شرق آسيا ، أما السائحين فنسبة 80% منهم من الصين و البقية من أوروبا ونسبة قليلة من العرب الخليجيين ، وكما عرفت أن أغلب السياح العرب يقيمون بالقرب من عاصمة الجزيرة مدينة ” كواه” التي تشتهر بمحلاتها التجارية المعفية من الرسوم الجمركية ، لأن جزيرة لنكاوي عبارة عن منطقة حرة.
ذهبت في رحلة بحرية حول مجموعة جزرها ، إستغرقت الرحلة حوالي 4 ساعات إستمتعنا فيها بالإسترخاء و الهواء النقي و الطبيعة الساحرة حيث الكهوف المدهشة التي لا زالت تحافظ على رواسبها ، و غابات من أشجار منجروف
(Mangrove) وسط أرخبيل ذو طبيعة بكر و كأنه لم يكتشف بعد ، فالحكومة الماليزية قررت المحافظة على هذه الطبيعة الخلابة الغنية بالحياة الفطرية و الحيوانات و السواحل الرائعة ، وحالت دون السماح ببناء فنادق أو أبنية خرسانية أو صخور ربما بسبب التكلفة ، لكن غالباً من أجل الحفاظ على الأحياء البحرية و الثروة السمكية ، وكما قال لنا المرشد السياحي ، إنك لا تعرف ماذا يخبأ لك البحر عندما تفاجئك الطبيعة و هذا ما حصل عندما ضرب التسونامي المنطقة لكن لانكاوي كانت من بين الجزر التي تعرضت لأقل ضرر .
ومن بين الأسباب كذلك الحفاظ على الهدوء و السكينة الذين تتمتع بهما الجزيرة ، و هذا ما يجذب السواح إلى جانب جمال الطبيعة و روعتها .
ماليزيا تتقدم الدول الآسيوية من حيث عدد السواح ، بتنوع معالمها السياحية وخضرتها الساحرة و شواطئها الرائعة و شعبها المضياف ، و كذلك سياسة حكومتها التي قررت الحفاظ على علاقتها الوطيدة مع جيرانها كدولة مسلمة تحترم حسن الجوار، حيث تعتبر الشعوب الآسيوية كلها من نفس العرق و السلالة لكنهم أحرار في اتباع السياسة التي تناسبهم ولم تسمح للغرب بالتلاعب بهذه العلاقة.
أما العاصمة كوالالمبور فهي منافس قوي لجارتها بانكوك من حيث عدد السواح ، وما يميزها عنها بالنسبة لنا نحن العرب هو العادات الإسلامية كتحية الصباح والمساء “السلام عليكم” إلى جانب الأدب الخاص بهم كبقية الدول الآسيوية وهذا المزيج هو الذي يميز ماليزيا ، كما أنهم يكتبون بلغتهم لكن بأحرف إنجليزية ولهم لغة خاصة منبثقة من اللغة العربية وهذا ما نلاحظه في كثير من العبارات والمفردات في الأماكن العامة مع أنها مكتوبة بأحرف إنجليزية إذ لا توجد لديهم ألف باء بلغتهم كما هو الحال في دول آسيا القريبة منهم كتايلاند و الصين واليابان .
الشعب الماليزي كما قلت في البداية شعب مؤدب مضياف يحسن استقبال الغريب . و الملفت في مطار كوالالمبور أن الإرشادات و العلامات مكتوبة باللغة العربية إلى جانب لغتهم و الإنجليزية ، وهذا ما لا نراه في مطاري مومبي و بانكوك الذين يستقبلين أعداداً أكبر من السائحين العرب .
كانت أياماً جميلة في ربوع لنكاوي و على شاطئها الخلاب و كرم سكانها.