في جلسة مع مجموعة من الأصدقاء العرب في إحدى الأماكن العامة خارج الوطن، دار حوار حول أمور وهموم وقضايا الوطن العربي السلبية والإيجابية.
قال أحدهم: لم يشهد وطننا العربي بأكمله مواقف أو قرارات إيجابية منذ زمن وإن وجدت فلا تذكر أمام السلبيات واللامبالاة، حيث اختفى أهم شيء كنا نفتخر ونتغنى به وهو القومية والعروبة، وأسباب ذلك كثيرة أهمها الحكومات العربية ورؤاها الاقليمية، حتى كدنا ننسى أن هناك وطن عربي !!! وتدخل أحد الموجودين وقال: كلامك صحيح إن أوهام الوطن العربي انتهت بانتهاء الزمن الجميل، زمن القومية العربية زمن العمالقة السياسيين والمثقفين وحتى الفنانين، زمن مقاومة الاستعمار ومحاربته، زمن كان فيه للشعب العربي بكل فئاته دور ولو بسيط في خيارات وطنه، وكان يأمل ويتطلع إلى يوم تكون له فيه كامل الحرية في هذا الوطن بمختلف توجهاته وعقائده، أيده في ذلك صديق آخر وقال: الواضح أننا وصلنا إلى مرحلة وكأننا مجموعة من الدول الناطقة باللغة العربية ليس إلا، مثل دول “الكومنولث” الناطقة باللغة الانكليزية، بل قد تكون تلك الدول أحسن حالا منا فعلى الأقل شعوبها تعرف ما لها وما عليها تجاه بعضها، أما نحن فنعيش في دوامة حتى لغتنا العربية انقرضت في بعض الدول والبعض في الطريق إلى ذلك الاتجاه، فبعض الدول الخليجية تنطق وتستعمل اللغة الانكليزية أكثر من العربية، وهناك دوائر رسمية تخاطب بعضها البعض باللغة الانجليزية أكثر من العربية، وفي مدارسها الخاصة يتم التركيز على تعليم اللغة الانكليزية أكثر من العربية ويعتقدون أن ذلك من مظاهر التحضر والتقدم أما أطفالهم فبدأً من البيوت لا يتحدثون إلا باللغة الانكليزية مع أسرهم لأن المربيات من الدول الآسيوية الناطقة بغير العربية، والحمد لله أنه إلى الآن لا يعلمونهم لغتهم الأم وإلا ضاعت هوية الأجيال القادمة. وقاطعه أحد الحضور قائلاً: نحن أكثر دولة تستخدم اللغة العربية، مع ذلك نجد أن المراكز التجارية عندنا والتي أكثر مرتاديها من المواطنين العرب، عندما تقوم بالترويج والدعاية فإنها تفعل ذلك باللغة الانكليزية وإن كان ذلك مثير ومستفز إلا أنه دليل نفوذ اللغة الانكليزية وقوتها وتراجع ولا أريد أن أقول فشل إيصال لغتنا العربية حتى داخل مجتمعاتنا فهل ذلك تعمد منا أم من حكوماتنا؟! فرد عليه أحد الأخوة قائلا: حالكم أحسن من حالنا فنحن دولة عدد سكانها أكثر من 60 مليون نسمة أي أن اليد العاملة من مربيات وشغالات متوفرة عندنا لسد الحاجة لكن الموضة في السنوات الماضية هي استيراد مربيات وخدم البيوت من دول آسيوية وبأسعار مرتفعة وفي رأيي أقل منا علماً وتاريخاً وثقافة، من أجل التفاخر والتباهي ليس إلا!!! وهنا تدخل أحد الأخوة وقال مع أني غير متشائم بانقراض لغتنا لأنها لغة القرآن الكريم، وعدد الأجانب المسلمين في تزايد مستمر إذا فاستخدامها في ازدياد، وهم أكثر حرصاً على تعلمها والتخاطب بها أما بالنسبة لنا، فنحن المسؤولون أولاً عن قلة استخدامها، ومن بعدنا الحكومات العربية التي لا هم لها إلا المناداة بالاقليمية ووطني أولا حتى أصبح الكلام عن الوحدة العربية غير مرحب به في بعض الدول، وتلاشت فكرة سياسية اقتصادية موحدة التي كان يحلم بها الكثيرون وأنا منهم حيث كنت أتطلع إلى يوم نصحى فيه على تحقيق حلم إنشاء سوق عربية مشتركة، لكني كغيري صحوت على كابوس حرمان دخول دول عربية إلا بتأشيرة في الوقت الذي تسمح فيه هذه الدول للأجانب وبالذات الأوروبيين بالدخول دونها. كيف نتقدم ونحن لا نملك صوتاً ولا رأياً ولا دوراً في أوطاننا حتى نطالب بتوحيد مواقفنا من أجل وطننا العربي الكبير؟؟ ربما يكون الجيل القادم خيراً منا، فرد عليه أحد الحضور: عن أي جيل قادم تتكلم، فنحن نكاد نُفرِط حتى في لغتنا، كيف نكون له قدوة لكي نأمل منه أن يحقق شيئا ونحن بهذا الضعف؟؟ وأنهى جلسة الحوار أحدهم وقال: على الشعب العربي كل من وطنه التحرك أولاً ليكشف عن قدراته وإمكانياته ويكون له دور في اختيار ممثليه في البرلمان أو الحكومات، ثم بعد ذلك يفرض رؤاه وتوجهاته ويكون بذلك فعالاً داخل وطنه، وهذا لن يأتي إلا بالتضحيات والخروج عن الصمت، وعندها سوف يكون التحرك الإيجابي على مستوى الوطن العربي ولا زال الوقت لم يفت على الحفاظ على ثقافتنا ولغتنا التي لم يبقى لنا شيء يربطنا غيرها.
فلا وطن دون مواطن ولا مواطن دون إبداء الرأي ولا رأي دون حرية التعبير.