سبق وأن كتبت عن دول شرقي آسيا وبالذات عن الصين وتايلند ، هذه الدول المتنوعة بطبيعتها ، الغنية بشعوبها.
في الفترة الأخيرة ، للمرة الثالثة زرت تايلند ، التي تأسرك بطبيعتها وحضارتها العريقة من الشمال إلى الجنوب ، وتحضنك عاصمتها بانكوك بأبراجها العالية وفنادقها الراقية و أسواقها المتنوعة وخدماتها المتميزة لتجعلك غير مبالي بصخب شوارعها و إزدحامها أو برطوبة مناخها. وينجذب معظم السياح إلى منتوجات تايلند وصناعتها المحلية التي تنافس أوروبا حالياً مثلها مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية ، والسبب أن هذه الدول تعتمد على قدرات شعوبها وقد ذكرت في مقال سابق بأن هذا القرن قرن هذه الشعوب ، كان ذلك منذ سنوات ولم يتقبل البعض الفكرة حينها ، لكن كل من زار هذه الدول أو تابع تحركات وتطلعات شعوبها وكيف تعمل وتدير أمورها قد خرج بمثل إنطباعي ، وتوقع كما توقعت وصولها إلى المقدمة.
فالصين مثلاً تعتبر الآن من أقوى الدول نمواً واقتصاداً وهي قد تكون المنافس الوحيد حالياً للولايات المتحدة الأمريكية في مجالات عديدة كالتكنولوجيا والصناعة والفضاء ، ومؤخراً هي تستثمر في أوروبا وأمريكا سواءً بالتمويل أو بشراء مصانع هناك ، وقد تكون هذه بداية لخطط مستقبلية أقوى وأوسع. وكما يقول أحد مستشاري صُنّاع القرار في هذه الدول بأن الصين بما تمتلك من موارد بشرية وطبيعية وقوة عسكرية ، إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية بتقدمهما الصناعي والتكنولوجي ، وماليزيا وتايلاند بأسواقهما المفتوحة على العالم ، هذه الدول قد تستطيع التحكم في العالم مستقبلاً ، وعلى هذا الأساس تتحرك ويدرك قادتها مدى أهمية هذا القرن لدولهم وهم يخططون بتأني لمستقبل شعوبهم وتوحيد صفوفهم خصوصاً إذا إتفقت الصين واليابان ، فسوف يقدموا نموذجاً جديداً لشعوبهم في كيفية التعايش مع بعض وتضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء ، خاصة وأن الصين تخطط للإنتقال من النظام الشمولي إلى نظام ديمقراطي مختلف عن النظام الرأسمالي الغربي ، نظام جديد لا سيطرة فيه لفئة على حساب أخرى ، نظام الكل يعيش فيه بحرية وكرامة ويعطي الفرصة للجميع للإرتقاء والتقدم بالجهد والعمل ، وهي تسعى لتقديم هذا النموذج الفريد إلى جميع شعوب العالم بما فيها الشعوب الغربية التي تعيش حالياً أسوأ حالتها ، وقد ينقذها هذا النظام الذي سوف يكون بديلاً للرأسمالية و الشيوعية ، نظام يبسط الأمن والأمان وينشر السلام بين الشعوب.
هذا ما يسعى إليه القادة الجدد في هذه الدول وقد تكون أفكارهم ومخططاتهم أعمق و أكثر من ذلك حسب ما قاله هذا المستشار. فالصين وهي تخطط لقيادة هذه المجموعة ، تدرك بأن عصر القوة الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية ، لابد أن ينتهي ومعها سوف ينتهي دور بعض القادة في أوروبا المنتمين للفكر السياسي والإقتصادي الأمريكي ، وبذلك سوف ينتهي تحالفهم ، ومع خروج قادة جدد في بعض الدول الآسيوية ككوريا الجنوبية وتايلند ، سوف يسعون لتحقيق هذا الطموح والتحالف مع بعضهم البعض ، وهذا كان رأي أحد المفكرين الصينيين في التلفزيون الصيني الناطق باللغة العربية CCTV تابعته منذ فترة. الجدير بالذكر أن الصين لها أكثر من قناة تلفزيونية فضائية بلغات مختلفة ومنها العربية ، والأغرب من ذلك أن أغلب مقدمي ومذيعي برامجها صينيون يتحدثون العربية ويستضيفون خبراء صينيين في مختلف المجالات وهم كذلك يتحدثون العربية بطلاقة. هكذا تخطط الصين ومجموعة دول شرق آسيا بالعمل والإستثمار لرفع مكانة شعوبها إلى المقدمة.
مرة أخرى أرجع إلى تايلند حيث كنت في زيارة إلى إحدى مستشفيات بانكوك ، و أذهلتني الأعداد الكبيرة من الخليجيين ينتقلون بين أجنحة المستشفى بحثاً عن العلاج بالرغم من تباهينا بمستشفياتنا العامة والخاصة وإدعائنا بأنها على أرقى المستويات ، ومؤتمرات ، ومعارض ، ودعايات ، بأنها الأشهر ، أو للمرة الأولى في العالم !!!
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هؤلاء المواطنون الخليجيون رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً يذهبون للعلاج هناك !!؟؟ هذا دليل على أنهم هناك يعملون بجد وإجتهاد لكن في صمت ، ونحن لأننا نتكلم كثيراً نذهب للعلاج عندهم !!