قبل أيام أرسل إلي أحد الأصدقاء مقالاً لكاتب عربي يقول فيه أنه لا يرحب بأية حكومة يقودها الإخوان المسلمون في عالمنا العربي.
و كأنه يريد أن يقول أن من كانوا يحكمون العالم العربي لأكثر من نصف قرن ولازال بعضهم في السلطة ، حكام نزهاء ، شرفاء ، وصلوا إلى كرسي الحكم عن طريق انتخابات حرة نزيهة ، وتفانوا في خدمة الوطن وحققوا إنجازات هامة وإذا جاء الإخوان إلى الحكم اليوم قد يقضوا عليها.
ومع أني لست من الإخوان ولست مع ما يطرحه البعض منهم من الأفكار ، ولكني مع التغيير ومع من يسعى بإخلاص للنهوض بوطنه وتحقيق حياة كريمة للمواطن.
قبل سنوات ، وفي ظل الحكومات التي كانت تدار بواسطة الريموت كنترول من بعض الدول الإستعمارية. أقيمت أول إنتخابات حرة في الجزائر، وفاز الإسلاميون فيها ومع أنهم لم يكونوا من الإخوان إلاّ أنهم أثاروا الفزع حينها في بعض النفوس الضعيفة الخائفة على كراسيها ، فتحركت الحكومات العربية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وقضوا على رأي واختيار الشعب الجزائري ، دون أن يعطوا فرصة للمنتخبين لتشكيل حكومتهم واتهموهم بالإرهاب ، وبأنهم إذا وصلوا إلى سدة الحكم سوف يحتكرونها ، وسوف لن ينعم الشعب الجزائري لا بالحرية ولا بالديمقراطية ، هكذا وبدعم عربي وأجنبي تم قمع أول تجربة ديمقراطية وتمت السيطرة على الحكم في الجزائر بدكتاتورية قضت على الديمقراطية التي كان يحلم بها الشعب الجزائري الذي لم تسنح له الفرصة إلى الآن لاختيار ممثليه مرة أخرى.
ثم جاء دور الشعب الفلسطيني الذي كان ولازال يعيش في ظل الإحتلال الإسرائيلي ، واختار الشعب من يحكمه ، لكن النتيجة جائت على عكس توقعات المحتل الظالم ، ففاز الإسلاميون بالحكم ، ومرة أخرى استخدم نفس السيناريو ونفس العبارات ، بأنهم إرهابيون ، متطرفون ، سوف يضرون بمصالح العرب ويقضون على إسرائيل ومن ثم العالم كله. ومرة أخرى تآمر بعض الحكام العرب بدعم من الولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل وللأسف بعض الفلسطينيين وأبعدوا من اختاره الشعب. ولا زالوا يحاربون بهذه الحجة إلى يومنا هذا لأن إسرائيل تريد ذلك.
واليوم بعد أن عانت الشعوب العربية وأصابها الإحباط لسنوات طويلة بسبب الإنفراد بالسلطة وإغراق البلاد بالفساد ، تحررت بعض البلاد العربية ونفضت عنها غبار الطغيان والإستبداد ، وقامت باختيار ممثليها بحرية لم يسبق لها مثيل ، بادر الشعب التونسي والشعب المصري باختيار من يتحمل العبئ وينتشل بلادهم ويصلح ما يمكن إصلاحه.
وفرض الواقع السياسي ، الإسلاميين رغم التحديات التي يواجهونها ورغم الفوارق والعقبات المفروضة عليهم ، وبدأ الانتقاد والهجوم عليهم قبل أن يبداؤا، ومع إصرارهم على الإستمرار من أجل المصلحة العامة وصلوا إلى الحكم في بعض الدول العربية. وهذا ما انتجته الإرادة الشعبية ، فلماذا لا يتم القبول بهم وتأييد توجهم إلى أن تتضح الرؤية ويحققون أهداف الشعوب وعلى رأسها الديمقراطية والحرية. كما حصل في تركيا التي يضرب بها المثل ليس بين الشعوب العربية والإسلامية إنما حتى بين الشعوب الأوربية. والحقيقة الثابتة أن تركيا بتوجهاتها الجديدة استطاعت أن تكون من الدول المتقدمة في المنطقة وندّاً قوياً للدول الكبرى في أوربا مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وخلال فترة وجيزة بسبب وضوح الرؤية والحفاظ على مصلحة الشعب قبل كل شيء وحسن التعامل مع الواقع ، لذا قد يكون القادم أحسن. ومع أن التجربة التركية نموذج مشرف يحتذى به إلاّ أنه لا يمكن استنساخها. وقد تكون للقيادات الجديدة في العالم العربي توجهات ناجحة ومثمرة ، إذا أعطيت لها الفرصة وتكون على مستوى طموحات الشعوب التي اختارتها. أما إذا أخفقوا فالشعب لن ينتخبهم مرة أخرى. هكذا تمارس الديمقراطية في الدول المتحضرة. وبكل تأكيد أن من وصل إلى الحكم في كل من تونس ومصر ، سيكون أحسن وأنظف وأنزه ممن استأثروا بالحكم لأكثر من أربعين سنة دون مراعاة لإرادة الشعوب. فلماذا يُسمح بالحكم في أوربا لبعض الأحزاب كالحزب الديمقراطي المسيحي ، وفي إسرائيل تحكم أحزاب يهودية متشددة ، ولا يسمح للإسلاميين في الدول العربية بذلك. مع أنه إلى الآن لم نرى بعد ، لا تشددهم ولا تطرفهم الذي تتناوله الأقلام من كل حدب وصوب.
أخيراً يقول الإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.