قبل أيام انتهت بطولة كأس العالم لكرة القدم والتي أقيمت لأول مرة في أفريقيا، وكان اختيار الاتحاد الدولي “الفيفا” لجنوب أفريقيا خير اختيار، لأنها مثلت القارة السمراء خير تمثيل، بالرغم من كل ما كتب عنها من انتقادات من حيث إمكانيات توفير المسكن والمعيشة والأمن ، أما الملاعب فلقد كانت ظاهرة للعيان وعلى أعلى مستوى وقد تفوقت على أرقى الملاعب حتى في بعض الدول الأوروبية. جنوب أفريقيا ، التي كانت منذ فترة قريبة أكثر دولة تعاني من نظام الفصل العنصري ، أصبحت بإرادة شعبها وتصميمه من أكثر الدول ديمقراطية ونعمت بالحرية التي ناضلت من أجلها ، وبتفوقها مؤخرا في تنظيم نهائيات كأس العالم رغم معاقبتها لسنوات بالمقاطعة وفرض العقوبات استطاعت في رأيي أن تتفوق على قارة آسيا بالرغم من الامكانيات الهائلة المتوفرة في قارة آسيا والتي أقيمت فيها نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2002 مناصفة بين كوريا واليابان.
وصل منتخب اسبانيا لأول مرة في تاريخه الى النهائيات وفاز بالبطولة ، وربما لأنه كان الأكثر إصرارا على الفوز بين المنتخبات المشاركة مع أنه لم يكن الأبرز ، وبالنسبة لأفريقيا فإن المفاجئة كانت بفوز منتخب غانا على الولايات المتحدة الأمريكية ووصوله الى دور الثمانية ، بالرغم من أن الأخير الى جانب إمكانياته المادية حظى قبل المباراة برسالة مباشرة من الرئيس أوباما لتشجيعه. وصرح أحد المسؤولين في الاتحاد الغاني لكرة القدم بأن هذا الفوز إنجاز عظيم لغانا وهدية الى قارة أفريقيا. أما أكثر المباريات قوة وإثارة ، كانت بين ألمانيا وإنجلترا حيث فازت ألمانيا بإربعة أهداف مقابل هدف ، وكما هو معروف فالمنتخبين بينهما ثأر قديم يرجع الى عام 1966 وكان أشهر لقاء كروي على مستوى العالم آنذاك ، حيث فازت إنجلترا في المباراة النهائية على ألمانيا 2/4 وحصلت على بطولة كأس العالم وقيل حينها أن هدفا أكيدا لألمانيا في تلك المباراة لم يحتسبه الحكم ، ومنذ ذلك الحين هناك دائما ذكرى لتلك المباراة وحساسية في كل لقاء بين المنتخبين مع أنهما تقابلا عام 1990 وفازت ألمانيا بضربات الترجيح، لكن ما حدث في اللقاء الأخير في جنوب أفريقيا آحيى ذكرى 1966 حيث لم يحتسب حكم المباراة هدفا واضحا لأنجلترا ولأني كنت في هذه الفترة في بريطانيا ، تابعت وسائل الاعلام الأنجليزية خاصة المكتوبة ولاحظت أنها تعاملت مع نتيجة المباراة وكأنها كارثة ، وقد ظننت للوهلة الأولى بأني أتابع وسائل إعلام عربية خلال بطولات عربية ، كما تعودنا على التعليقات الغير موضوعية والمطبوعة بالاقليمية ، حين ينهزم فريق عربي من فريق عربي آخر ، فالصحف البريطانية كانت مليئة بالاستهزاء والاستخفاف بالفريق وكأنها اتفقت على الهجوم على المنتخب والمدرب ولولا تركيزها على مباراة أنجلترا وألمانيا ، وعلى الهدف الغير محسوب وعلى التحكيم ، لكان الله يعلم ماذا كان يمكن ان تفعل باللاعبين والمدرب بعد البطولة!! وفي هذه الأثناء كان هناك لقاء بين رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية على هامش قمة دول الثمانية بكندا ، وصرح رئيس الوزراء عندما سأل عن المباراة بأنه متأثر وحزين لهزيمة منتخب بلاده وخروجه المبكر من البطولة ، لكنه قال بأن هناك فرق بين السياسة والرياضة، فهو ذهب الى المؤتمر ليناقش قضايا سياسية وهذا هو الفرق بيننا نحن العرب وبينهم ، فنحن نخلط ونجمع بين كل شئ!!
أما أهم مفاجئة في البطولة هي خروج البرازيل من دور الثمانية بعد خسارتها أمام هولندا ، حيث كان حلم البرازيل أخذ الكأس للاحتفال به في البطولة القادمة التي سوف تقام على أرضهم عام 2014.
أما العرب فشاركوا في بطولة جنوب أفريقيا بثلاث فرق الجزائر في الملعب ، بالمنتخب الذي لم يقدم شيئا يذكر ، ثم قطر بقنوات الجزيرة الرياضية ، اللتي غطت جميع المباريات بحرفية عالية وسخرت جميع إمكانياتها لإرضاء كل الأذواق بأكثر من لغة. أما الدولة الثالثة المشاركة هي الإمارات العربية المتحدة بشعار طيران الإمارات داخل كل ملاعب جنوب أفريقيا هذه المؤسسة الرائدة التي بدأت بتفوق واستطاعت أن تبقى في مقدمة جميع شركات الطيران العالمية ، وأن تكون نموذجا ناجحا لشركات الطيران العربية. هنا تحظرني قصة ذكرها لي شخصية بارزة ومرموقة عندما كان في زيارة خاصة لجنوب أفريقيا قبل سنوات: في أحد الأيام لاحقهم شاب بإصرار ، فاستغرب من ذلك وأرسل إليه أحد مرافقيه ليعرف منه ماذا يريد ، عند سؤاله رد الشاب: أريد فقط أن أعرف من أين أنتم فقال له: U.A.E. فهز الشاب رأسه لعدم معرفته ، ثم قال له من أبو ظبي فلم يعرف الشاب مرة أخرى وعندما قال له دبي هنا ابتسم وقال آه Emirates Airlines.
ويحسب لطيران الإمارات أنها رفعت اسم الدولة في كل المحافل الدولية وفي وقت قياسي وربطت بإسم الدولة اللذي هو شعارها كل قارات العالم مختصرة الوقت ومتفوقة على كل أنواع وأشكال الدعاية.