في الفترة الأخيرة استلمت عدداً من الرسائل عبر البريد الإلكتروني تُعَقِب عن ما كتبته مؤخراً في آخر ثلاث مواضيع حول ما جرى ويجري في الوطن العربي خاصة موضوع مصر وانتخاب أول رئيس ينتمي للإخوان المسلمين . كانت ردود الأفعال في الرسائل مختلفة وكل واحد أبدى رأيه بما يعتقد أنه هو الصح من وجهة نظره ، وهذا شيء صحي فالإختلاف في وجهات النظر يخلق حيوية ثقافية من أجل التقارب . فما بالك إذا كان الإختلاف حول ثورة شعبية كانت حلماً معلقاً أو شبه مستحيل فتحققت فجأة.
كتب أحد الأصدقاء يقول ، بأني أصبحت منهم أي من الإخوان المسلمين لأن أسلوبي في اعتقاده كان يميل لهم في الموضوع الأخير ، أؤكد له بأني لست من الإخوان ولا أنتمي إليهم من قريب ولا من بعيد ، ليس لأن ذلك لا سامح الله عيب بل لأني أفتخر بإنتمائي لبلدي دولة الإمارات و أحمد الله على الإستقرار و الأمن والأمان الذي ننعم به في ظل قيادتنا الحكيمة وكعرب كلنا مسلمون و إخوة في الدين والعروبة ولا تناقض في ذلك ، وقد نختلف معاً في السياسة والتوجهات لكن ما كتبته كان مجرد وجهة نظر حول حرية الشعب المصري التي نعم بها مؤخراً ليختار من رآه مناسباً في هذه المرحلة ، وقد يغير رأيه في المراحل القادمة إذا لم يتحقق له ما أراد. وهذا ما أؤمن به إيماناً كاملاً ليس لمصلحة حزب أو فئة أو شخص بعينه.
إن الوطن العربي يمر بمجموعة من التناقضات والتغييرات غير واضحة المعالم و الرؤى خاصة مصر التي فاز فيها في أول إنتخابات بعد الثورة حزب كان الترخيص لممارسته نشاط سياسي ضرباً من المستحيل في ماضي قريب ، بل كان محظوراً حتى من المشاركة في الإنتخابات التشريعية . واليوم بعد أن فُتِح باب الحرية والتعبير أصبح الكل يدلو بدلوه ويحاول أن ينسب تضحيات شباب وشهداء الثورة للتخلص من النظام الفاسد إلى نفسه أو الحزب الذي ينتمي إليه.
إن الشعوب العربية تتابع باهتمام ما يجري في مصر بعد ثورتها المجيدة والسبب هو مكانة مصر وحجمها و دورها بين الشعوب وكذلك موقعها بين الشرق العربي و غربه لذا التواصل الإعلامي و الواقعي معها أقوى و أكبر من التواصل مع الثورتين التونسية والليبية بحكم البعد الجغرافي مع تقديري واحترامي لهاتين الثورتين اللتان لولاهما لما تحررت شعوب كثيرة. والثورة المصرية كبقية الثورات العربية قامت بها مختلف فئات المجتمع للقضاء على الظلم و الفساد و كأنها حلم تحقق حتى المصريين أنفسهم لم يتوقعوا القضاء على القهر و الإستبداد الذي عانوا منه لسنوات طويلة بهذه السرعة ، لذا اليوم بدل الإدعاء بالحديث باسم الشعب الذي نسمعه بين يوم و آخر ، لابد من احترام اختيار الشعب لمن يشاء وكيف ما يشاء وهذا ردي على هذه الرسائل.
أما الموضوع الإنساني الذي يهمنا جميعاً اليوم و تتقطع قلوبنا لمعاناة شعبه هو ما يحدث في سوريا من قتل ودمار ولو على جزء بسيط من الشعب السوري كما تدعي الحكومة المسيطرة على كرسي الحكم بالظلم والطغيان والتي حصنت نفسها داخل منظومة عسكرية تحكم بالعصا لسنين طويلة و ورثت سلطة تكمييم الأفواه و إسكات الرأي والتضييق على الحريات و كأن الشعب ملك لها لا تتوقع منه إلا الطاعة و الولاء.
فإذا كانت الفئة التي تمارس القتل والدمار قليلة كما وصفها وزير خارجية حكومتها و مدسوسة و مدعمة من قبل العدو ، فلماذا لا تتم إلى الآن السيطرة عليها أو محاسبتها وترك الأغلبية الباقية تعيش بأمان وسلام ؟؟ و إذا كان قصده بالعدو إسرائيل فلماذا لم تحاربها حكومته طوال هذه السنين ؟؟ فالكل يعرف أنه خلال 40 سنة لم يطلق الجيش السوري ولو طلقة واحدة لصد هذا العدو مع أن سوريا تدعي بأنها جبهة الرفض والتصدي و المقاومة . أية مقاومة والعدو يحتل أرضها ويستعمر جزأً من شعبها ويستغل ثرواتها وبدل التركيز على التصدي و تحرير أرضها ها هي اليوم تعتدي على شعبها لمجرد أنه نادى بالحرية و القضاء على الفساد و الظلم و التفرد بالسلطة ، و تقتل بكل شراسة و عنجهية ، وتشرد الآلاف على مرأى و مسمع العالم ، ورغم كل هذا الوضوح يقول عنهم وزير خارجيتها بأنهم فئة قليلة مخالفة للمجتمع ، و كأنه هو وحكومته يمثلون أغلبية الشعب السوري ، ولو سلمنا بالأمر وقلنا أن أغلبية الشعب مع الحكومة و اختارها بحرية و ديمقراطية ، فلماذا إذا الحوار والتواصل مع هذه الفئة معدوم ولماذا لا تتم حتى مناقشة متطلباتهم ؟؟ و إذا كانت الأغلبية تعيش نوعية حياة مميزة وتنعم بكل حقوقها فلماذا لا يتم ضم من لم يجدوا ملاذاَ إلا المخيمات على الحدود التركية و الأردنية و تركوا وطنهم و شردوا من بيتوهم فمن يمارس الإرهاب هنا ، هل هي هذه الفئة المطالبة بحقوقها أم الحكومة المتمسكة كغيرها من الحكومات المستبدة بكرسي الحكم بالوراثة لأكثر من 40 سنة ؟؟ فلماذا لا تترك الحرية للشعب لإختيار من يمثله للرئاسة و البرلمان بشفافية و نزاهة بدل إبادة كل من أبدى رأيه و تصفية كل من يخالفهم ؟؟
وإذا كانوا محبوبين من الأغلبية وتم اختيارهم للحكم فإن الشعب سيرحب بذلك حتى لو خالفهم البعض ، فذلك حق مشروع دون الإعتداء عليهم بالضرب و القتل والتشريد كما يحدث الآن، لأن هذا البعض جزءٌ لا يتجزأ من الشعب ويحق لهم إبداء الرأي كما يحق للأغلبية تحت ظل القانون ، هكذا تمارس الحكومات سلطتها إذا أتت بانتخابات حرة و نزيهة.
أما عن الدور الأمريكي و الروسي و إيران و غيرها في سوريا فلنا وقفة أخرى بإذن الله.
وكل عام و أنتم بخير .