كتبت قبل أيام عن ما يجري في سوريا وفي نهاية المقال ذكرت بأن لي وقفة مع دور كل من إيران والولايات المتحدة و روسيا و الجامعة العربية وقبل أن أبدأ هذا الموضوع أود أن أشير إلى مقابلة لصحفي معروف يأتي على رأس الكتّاب و المحللين السياسيين ، و أنا أحد متابعي كتاباته ، بعد ثورة الشعب السوري خرج إلينا بتحليل مغاير عن ما تعودنا منه ، ليقول أن ما جرى ويجري في الوطن العربي ليس ثورة شعبية إنما (سايس بيكو) جديد ، أي أنها خطة إستعمارية من نوع جديد ، و استغربت ما جاء في مقابلته لأني اعتبر ذلك تقليلاَ من قدرات الشعوب العربية وعدم احترام لشهدائها ، و كأن الشعوب التي انتفضت كانت تعيش في ظل حكومات لا تعرف الفساد أبداً و تنعم بالحرية و حالة معيشية جيدة ، لكنها لم ترضى بكل هذا ، و قامت بهذه الثورات بخطة إستعمارية جديدة لتقضي على النعيم الذي كانت تعيش فيه وترجع سنوات إلى الوراء ، لكن الواضح أن من جاء إلى الحكم في بلاده بعد الثورة لا يتماشى مع أفكاره و مبادئه ، لهذا صنف ووصف الثورات العربية بهذه الصفة .
أما موضوعنا عن دور بعض الدول في سوريا ، فلنبدأ بإيران أكبر داعم للحكومة السورية ولا أريد أن أكرر ما قيل و يقال مؤخراً بأن إيران تدعمها من منطق مذهبي لأن من يحكم و يتحكم في سوريا هم العلويون ومذهبهم قريب جداً من المذهب الشيعي الذي تمثله أغلبية الشعب الإيراني ، ومن هذا المنطلق فسوريا شريك إستراتيجي لإيران بعد الحكومة العراقية بقيادتها الجديدة، لكن الحكومة الإيرانية تدعي أن إستراتيجية سوريا إلى حد ما تتوافق مع إيران وهي الوقوف ضد إسرائيل عدو العرب والمسلمين ومناصرة الشعب الفلسطيني. فالسؤال المطروح على القائمين على الحكم في إيران،
هل الحكومة السورية هددت بشكل أو بآخر في يوم من الأيام إسرائيل ولو بالكلام؟؟
هل سمعنا تصريحات من مسؤول سوري يهدد إسرائيل أو يواجهها خلال 40 سنة ، أو على الأقل يطالبها بالإنسحاب من أراضيه ؟؟
و أين كان دورها عندما قامت إسرائيل بشن هجوم وحشي على قطاع غزة ؟؟ وكيف تعاملت مع هذا الهجوم ؟؟ هل حركت جيشها لتخويف إسرائيل مثلاً أو هددتها حتى ؟؟
لا لم يحدث شيء من هذا ،
إذاً لماذا تعتبرها إيران دولة مناصرة للقضية الفلسطينية و الجبهة الوحيدة للرفض و التعاون مع إسرائيل ، هل لأنها قامت باستضافة نشطاء و بعض القادة الفلسطينيين من حركة حماس ، حتى هذا كان ضمن شروط معينة على رأسها عدم القيام بأي نشاط عسكري ضد إسرائيل من أراضيها اللهم إلا القيام باحتفالات شكلية بعد الإستئذان من القيادة السورية ،
ثم ماذا فعلت الحكومة السورية عندما قامت إسرائيل بضرب أحد مواقعها لإنتاج مواد كيماوية خوفاً من أن تستخدم في يوم من الأيام ضدها ؟؟ و هذا كذلك قد يعطي انطباعاً بالشك !! و إلا لماذا لم تَرُد ولو بأبسط الإمكانيات ؟؟
إذاً الحكومة السورية ليست بأحسن من بقية الدول العربية في تعاملها مع إسرائيل . فبعد الإطاحة بالنظامين المصري والليبي اكتشفت علاقتهما الوطيدة بإسرائيل عكس ما كان يقال ، على الأقل عن النظام الليبي.
ثم لابد أن نسأل الإيرانيين كيف ينعمون بنظام دستوري لا يحق فيه للرئيس الحكم أكثر من فترتين ، هذا إذا اختاره الشعب ولا يحق ذلك للشعب السوري الذي طوال هذه الفترة تغير فيها في إيران خمس رؤساء وبقي الوضع في سوريا على ماهو عليه !!
ثم لماذا قامت الثورة الإيرانية ضد شاه وحرر الشعب نفسه من الظلم و الفساد ولا يحق للشعب السوري الثورة والمطالبة بما يراها أبسط حقوقه ؟؟
• أما دور الولايات المتحدة الأمريكية فلم يكن في يوم من الأيام مع الشعوب أو حتى مع الحكومات العربية بما فيها التابعة لها ، إنما هدفها الوحيد والغير قابل للتغيير ولا للمناقشة هو مصلحة إسرائيل هكذا يصرح المسؤولون و الرؤساء في الحكومات المتعاقبة ، وهذا سوف يكون موقف الحكومات القادمة ، فهذا الموقف ثابت فهم يغيرون سياستهم في كل شيء ما عدا إسرائيل ، و إعطاء الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه .
أما إدعاؤها بتأييد ثورات الربيع العربي فهو دعاية كاذبة لأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون مع الشعوب العربية أبداً.
• أما روسيا فلا حول ولا قوة لها لأنها دولة فسادها لا يقل عن فساد بعض الحكومات العربية وهي بلا فاعلية إنما تتحرك من هنا وهناك لتظهر أنها ضمن الأقوياء الذين يحركون العالم حسب مصالحهم ، فهي لا زالت تعيش على أمجاد الإتحاد السوفييتي الذي كان نداً قوياً لأمريكا في مختلف المجالات لسنوات طويلة و أحياناً تفوق عليها ، و المتمسكون بكرسي الحكم اليوم هم الذين تآمروا وقضوا عليه .
• أما جامعة الدول العربية فموقفها الأخير واضح خاصة مع قبولها بتسمية كوفي عنان ممثلاً للأمم المتحدة و جامعة الدول العربية و الإضافة كانت لحفظ ماء الوجه فقط ، !! و من خَلَف عنان تم تعيينه بأمر من الولايات المتحدة كذلك !!!
أما الدول العربية ، فالتي تحررت مؤخراً تحتاج إلى سنوات لتنهض و تحل مشاكلها بعد أن قضت ثورات شعوبها على الفاسدين ، و الباقي كلٌ يتحرك حسب إمكانياته .
إذاً لم يبقى إلا نِضَال الشعب السوري و مقاومته ، كما حدث في الدول العربية الأخرى ، فمهما كانت التضحيات ففي النهاية الوضع سوف يكون أحسن مما هو عليه حالياً .
فتحية لهم و رحمة الله على الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم فداءاً للوطن ليلحق بركب الدول التي تحررت .