وصلتني رَسائِل عَبر البَريد الإلكتروني حَولَ ما كتبتـَه بتاريخ 18.08.2008 تحْتَ عنوان “الإبداع .. كذِباً” تؤكِد في مُجْمَلها حَالة الكذِب والخِداع التي يَعِيشُها العَالمَ وبالذات عالمنا العَربي الذي أصبحنا فيه لا نُفرقُ بَيْنَ الحَقيقة والكذب كما تقولُ إحدى الرَسائِل. رسالة أخْرى تقول أن الوباء المُنتشِر حَالياً في عَالمنا العَربي والذي يُعَدُ أخطرَ مِنَ الكذِب هُو النِفاق الذي تفشى في مُجْتمَعاتِنا بشكلٍ غَيْرَ مَسْبوق وَكأنهُ ملكة أو هِبَه يَتفاخَر بها مِن اتخَذهُ أسلوب حَياة، وَهو مُنتشِر بشكلٍ عَام حَوْلَ أصحاب السُلطة والنفوذ ويتخَصَص فيه أفرادٌ يَجْتهدونَ بتقديم ولآء الطاعَةِ وَنقل أخبار مُغايرة للحَقيقةِ بهَدف التقرُب وَنيل الرضا، فأصبَحَ بذلك النِفاقَ مَصْدرَ رزق لهم. ومثل هَؤلاء موجودون في كل زمَان ومَكان وهَذا ما قرأناهُ في كتبِ التاريخَ والتراثَ حَوْلَ أفراد كانوا يتخِذون النِفاقَ وسيلة للتقرُب مِن السَلاطين والأمراء في عُصورٍ مَضت. لكِنَهُم في العَصْر الحالي عَصر الإنترنت والتكنولوجيا المُتطورة هُم أكثر وأسرع انتشاراً، تجدهُم حَولَ كل رَئيس أو وزير أو مَسؤول، يتنافسون في تطبيق مَقولة “من لهُ حِيلة فليَحتالَ بها” كلٌ حَسَبَ قدراته وإمكانياته في إقناع أصحاب السُلطة والنفوذ، فهُناك مَسؤولون في بَعض الدول العَربية حَولهم مجموعة مِن هؤلاء المُتخصصين، يُبعِدونهُم بنفاقهم عَن واقع أوطانهم ويصَورونَ لهُم بنفاقهم أن الشَعبَ يعيش في جَنة ونعيم يَحسِدهُ عليهما الآخرون. ويوضِحُ المُرسِل في رسالته أن أسباب النفاق كثيرة أحدها كما جاء فيها، أن أصحاب السُلطة في بَعض الدول والذين غالباً ما يكونون غير مُضطلعين أو غَيرَ مُبالين بما يَدور وَيَحْدث حَولهُم أو لحِمايَةِ مَصالِحَهُم وللتغطِيَةِ عَن الفساد والاستبداد يستخدمون مثل هؤلاء لإبعاد الشبهة عنهم، ونشر والتصريح بما يتمنونه في الخفاء ويريدون قوله لكنهم لا يستطيعون الجهر به خوفاً على مكانتهم، وهذا ما حدث عندما صرح أحدهم في حوار معه عن سبب بقاء رؤساء الدول العربية مدة طويلة على كرسي الحكم حين قال أين البديل؟؟ وكأن الأمة التي أنجبت هؤلاء لا يوجد فيها مثلهم أو أحسن منهم أو كأنهم كما كان يعتقد اليابانيون عن ملوكهم، نزلوا من كوكب آخر. فمثل هؤلاء هم من نشر ثقافة النفاق وقول الأكاذيب والإفراط فيها حتى استفحلت هذه الثقافة في المجتمع وأصبح كل من يريد الوصول لابد وأن يكون ملماً بهما، فنحن نعيش في زمن لا مكان فيه لأصحاب الكفاءة والنزاهة والرأي الحر بل هو زمن أصحاب المصلحة والفساد.
ناقشت فحوى هذه الرسالة مع صديق ومفكر عربي أعتز بآرآئه و أفكاره، فقال إن النفاق آفة خطيرة ورذيلة من الرذائل لكنه للأسف أصبح عادة اجتماعية في هذا الزمن عند بعض العرب، فمثلاً قد تقرأ في صحفنا العربية رأياً في قضية ما، لكن التحليل وحتى العنوان يختلفان من دولة لأخرى مع أن القضية واحدة وهذا أمر طبيعي فكل دولة تريد إيصال رسالة ما تستغل مثل هذه القضايا لتمريرها عبر جرائدها، فبعض الصحف تمجد رئيسها وموقف حكومتها وتلقي اللوم على الدول الأخرى رؤساء وحكومات ويشتعل الصراع بينهم حول سياسة معينة أو غالباً حول أمور بسيطة، وتتراكم وتترك القضايا المصيرية المهمة دون حلول، ويضيف بأنه حضر اجتماعاً مع أحد المسؤولين العرب، فدار حوار حول مؤتمر كان قد حضره المسؤول وعبر عن رأي دولته المخالف لباقي الدول حول قضية عربية كانت مطروحة في المؤتمر فوجد أن كل الموجودين معه يؤيدون موقفه، ويباركون خطوته مع أن رأيه لم يكن موفقاً. وعندما ناقشت أحدهم خارج الاجتماع قال، إن رأيه على خطأ لكني قلت ما يريد سيدنا سماعه، فلماذا أخالفه؟ وهل يفيدني ذلك في شئ؟؟ أو يفيد العَرب لو ابديتُ رأي المُخالف لرأيه ولسياسَةِ الحكومة؟؟ بل لو قلتُ رأيي صراحة قد يَضُرني ذلك ويَضر مَصلحتي.
هذا نموذج مِن مَن يُحيط بالمسؤولين العرب الذين يوافقون على كل شئ حتى لو كان خطأ ويحاولون تبرير مواقفهم بشتى الطرق، في الوقت الذي تعتبر فيه الدول المتقدمة الاختلاف في الرأي علامة صحية تسهم في الإصلاح والتقدم، فزمن قول الحق في الدول العربية قد انقضى دون رجعه، فنحن نعيش في زمن كل من يريد أن يقول رأيه يقوله في الخفاء ولا يتجرأ على ذلك جهراً أمام صاحب الأمر، زمنٌ أصبح فيه النفاق مستحباً غير مستنكراً!!! أين ذهب أصحاب الرأي الحر والمثقفون العرب الذين عاشوا وناضلوا بالكلمة الطيبة والحوار البناء والرأي السديد؟؟ مع أنهم كانوا يتعرضون أحيانا للظلم لكن كان لهم احترامهم ومكانتهم عند الحكام في ذلك الزمن. أما المنافقون في الوقت الحالي فلا يحترمهم أحد حتى أصحاب الأمر، لأنهم يعرفون ما بداخلهم ويدركون أنهم يبطنون غير ما يعلنون، فمثل هؤلاء المنافقين هم أحد أسباب تخلف هذه الأمة. فهل هم الذين لهم دور في إبعاد المسؤولين وأصحاب السلطة عن قضايا ومشاكل الشعوب أم المسؤلين هم الذين يخلقون لأنفسهم مثل هؤلاء!!! وأخيراً يذكر عن جمال الدين الأفغاني قوله: “أمة تطعن في حاكمها سراً وتعبده جهراً لا تستحق الحياة”.