تنظر الشعوب العربية وبعض شعوب دول العالم الثالث إلى أمريكا على أنها الدولة المتغطرسة الجبارة التي تلجأ إلى التهديد و فرض العقوبات أو إحتلال دول ذات سيادة من أجل مصلحتها و تحقيق أهدافها و السيطرة على مصادر تلك الدول ونهب ثرواتها ، لكي لا تستطيع التحرر من عبوديتها و بالتالي تدعم حكومات فاسدة ضعيفة تزرعها في تلك الدول لتضمن الموالاة لها ولكي لا تتعارض مصالحها مع مطالب الشعوب . ولو حاولت إحدى هذه الحكومات التخلص من تبعيتها لَضَربتها “بالشلوت” كما يقول إخواننا المصريين ولَحَرَقت الأخضر و اليابس كما حصل في العراق لأن تلك الحكومات عاجزة خانعة لم تأتي إلى الحكم باختيار شعبي.
فأمريكا مثلاً لا تستطيع ممارسة “الشلوت” أو غيره مع الشعوب القوية كما حصل في فيتنـام. لكن تبقى القضية الفلسطينية هي أساس المشكلة التي تبرز وجه أمريكا الذي لا يرى العرب إلا قبحه ، وذلك برعايتها وحمايتها لإسرائيل التي تستخدمها لتهديد العرب و إضعافهم وهذا موضوع سنأتي إليه .
لكن ماذا عن الوجه الآخر لأمريكا الذي لا يمكن إنكاره ؟؟
أمريكـا الديمقراطية ، أمريكا التقـدم ، أمريكا الحرية ، أمريكا الداعمة لحقوق شعبها ، أمريكا التي لا تُفرق بين أبيض وأسود ، أمريكا العِلم و المعرفة ، أمريكا التكنولوجيا ، أمريكا أرض الفُرص أرض التحدي والمنافسة ، التي فَتَحت و تَفتح أبوابها لكل من أراد أن يتعلم ويستفيد من مَعرفتها وتجربتها من مختلف الجنسيات وتُعاملهم كأي مواطن أمريكي ، فمنهم من تعلم و بقي هناك ونجحوا كعلماء و باحثين حتى تفوقت بهم وأصبحت أقوى قوة على وجه الأرض ، و غيرهم رجع إلى وطنه ليخدمه وعلى رأسهم مواطني دول العالم الثالث و بالذات العرب .
أمريكا التي اختصرت المسافات بين العالم وقدمت طائرات تنقل الملايين يومياً وتربط القارات في ساعات.
أمريكا تفوقت على كل الدول بالوصول إلى الفضاء و إكتشاف الكواكب و التقدم في شتى المجالات خاصة البحث العلمي و الطبي فاكتشاف وعلاج مختلف الأمراض غالباً ما يأتي منها أو عن طريقها.
أمريكا أرض الإختراع والإنجاز الإلكتروني لخدمة البشرية جمعاء وبمختلف اللغات.
أمريكا التي يتحول فيها المشروع من فكرة إلى ظاهرة عالمية .
أمريكا أكبر مستثمر في العالم في مجال البحث والتطوير و قائدة الثورة التكنولوجية التي انطلقت من الكمبيوتر إلى الإنترنت إلى أجهزة الإتصال بمختلف الأشكال و الأحجام ، هذه الأجهزة التي تَفوقت على العقل البشري بالرغم من أنها من إختراع الإنسان.
أمريكا التي اختصرت التواصل من أيام وشهور وسنين إلى ثواني بفضل مواقعها المنتشرة و خياراتها الواسعة من Hotmail إلى Yahoo ومن Facebook إلى تويتر ومن جوجل Google إلى ويكيبيديا Wikipedia وعشرات مثل هذه الإختراعات بمختلف اللغات ولخدمة الجميع ، وللعرب و المسلمين مثلاً موسوعة القرآن الكريم والتفسير والأحاديث وأوقات الصلاة في كل بقاع الأرض. والشعر والأدب قديماً وحديثاً و ما في أسئلة إلا و إجابتها متوفرة و تفاجئك كل يوم بأجهزة جديدة كغيرها من المشاريع الإلكترونية من صنع أبنائها ومن إبداعهم يستخدمها الكبار و الصغار من عمر السنتين إلى السبعين مثل الآي باد والآي فون و التي إبتكرها كذلك أحد أبنائها من أصل سوري ولو ظل في سوريا لكان اليوم ربما يعاني في أحد المخيمات.
أمريكا التي رغم الأزمة الإقتصادية والمالية الحالية لا زالت القوة الإقتصادية الأوحد والرائدة وهذا سبب تفوقها السياسي والعسكري والصناعي فهي مثلا التي تنشر قواتها وجنودها في كل بقعة في الأرض حتى في أوروبا ، وهي التي تقدم المعونات لأغلب دول العالم حتى الغنية منها و إذا كانت بعض حكومات هذه الدول تَنْهَبها ، فهذا ليس ذنبها إنما ذنب الشعوب التي تَقبل بمثل هذه الحكومات وتسكت عنها وتخضع لها.
ألم تكن هذه الدولة مُستعمرة بريطانية فَتَفوقت عليها ونشرت اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم ، حتى أصبح الكل يتكلمها أكثر من لغته الأصلية؟؟ فلِكُلِ زمن دولة ورجال ، وهذا الزمن أمريكي بإمتياز.
فإذا كانت 99% من الإختراعات و الإكتشافات لتقديم حياة أفضل للإنسان هي صناعة أمريكية ، ألا يحق لها السيطرة على العالم خاصة الدول و الشعوب النامية، أو بالأحرى النائمة في سبات عميق مع أنها الأغنى بما تملكه من الثروات؟؟ أمريكا التي يقدم أبنائها كل يوم جديد لخدمتنا أليسوا بشراً مثلنا ؟؟ لماذا إذاً هذا التفوق ؟؟ ولماذا هو حكر عليهم ؟؟
إنه الإجتهاد بلا غرور و التنافس بلا نفاق والسعي لتحقيق أهداف لخدمة الجميع وليس لأغراض و مكاسب شخصية ، إنه التحدي من أجل الإبداع .
و أخيراً إذا كانت أمريكا تساند الكيان الصهيوني ، فهذا سببه ضعفنا وسكوتنا وإستسلام الفلسطينيين وإنقسامهم ، وعلينا أن ندرك أن القوي لا يحترم الضعيف ، فإذا كان هناك وجه قبيح لأمريكا فإنها لا تظهره إلا للضعفاء ، أما الوجه الآخر فهذا جزءٌ بسيط مما تقدمه للبشرية ، فمن هو الشيطان الأكبر ؟؟؟