قبل أسابيع كتبت موضوعاً تحت عنوان (الإنسان …. سلوك و طبائع) ووعدت القراء بتكملة الحديث الذي دار بيني وبين الأستاذ الأمريكي على متن الطائرة و أنقل بعض وجهات نظره وكيف ينظر الآخرون إلينا.
خلال حديثنا عن الإمارات سألني : هل بقية المدن الخليجية شبيهة بدبي؟؟ أجبته نعم بعض الشيء مع أنه لا توجد مدينة في العالم تشبه الأخرى ، فمدن الولايات المتحدة عندكم مختلفة ولا تشبه بعضها . قاطعني : لم أقصد ذلك فأنا زرت بعضها ، إنما أقصد أسلوب الحياة و المظهر العام حيث لاحظت مثلاً أن بعض المواطنين في الخليج لا يلبسون اللباس التقليدي في أماكن العمل كالفنادق و المحلات التجارية كذلك لا يتحدثون إلا الإنجليزية حتى عندما يلقون التحية ، وقد يكون ذلك من متطلبات العمل بحكم عدد الأجانب المقيمين أو السائحين ، سألت مستغرباً : أين إلتقيت هؤلاء المواطنين ؟؟ قال : كما قلت لك بعض الموظفين في الفنادق وفي المحلات التجارية ، أجبته هؤلاء بكل تأكيد أجانب وليسوا مواطنين قال مندهشاً : لكني عندما سألت بعضهم قالوا بأنهم يعيشون منذ أكثر من 20 عشرين سنة ولديهم أطفال ولدوا ويدرسون في الخليج وهم يعرفون أكثر مما يعرفون عن وطن آبائهم ، قلت له : مع ذلك هؤلاء أجانب وسيظلون ، ولديهم تأشيرات عمل قانونية ليس إلا ، قال : هذا صحيح من وجهة نظرك لكنهم لا يعتقدون ذلك لأنهم يمدحون أسلوب الحياة في الخليج و ازدهاره ولا يتكلمون عن أوطانهم لذا اشتبهت علي الأمور ولا تنسى أن بعض الدول كان ولا زال فيها وافدون يعيشون نفس الوضع ، ومع الوقت أصبحت لهم متطلبات وفي النهاية كسبوا الشرعية ، فالولايات المتحدة مثلاً التي كانت موطناً للهنود الحمر على مر الزمن امتلأت بما تسميهم بالأجانب فأصبحوا من أصحاب الأرض و مواطنين ، فأنا مثلاً من أصل هولندي والِـدّيَ هاجرا إلى أمريكا فأصبحنا مواطنين ، قلت إن الولايات المتحدة مختلفة عنا إختلافاً كلياً ، فالهنود الحمر لم يكن لهم امتداد جغرافي، قال : فما بالك بسنغافورة ، كانت في الأصل جزء ً من ماليزيا و أغلب سكانها مالاويون مسلمون لكنهم اليوم لا يتحدثون إلا الإنجليزية ، ألا تخشون أن يتخلى الجيل القادم مثلاً عن اللغة العربية ؟؟ قلت : نحن لدينا امتداد جغرافي مع الدول العربية و تقاليدنا و عاداتنا الإسلامية راسخة داخل مجتمعاتنا ، فأطفالنا مثلاً ، حتى ولو كانوا يتكلمون الإنجليزية في المدارس الأجنبية مع زملائهم من مختلف الجنسيات لكنهم داخل الأسرة ، الكل يتكلم اللغة العربية قال : هذا ما حصل في سنغافورة ، فهي فيما مضى كانت تسمى ولاية جنوب ماليزيا و اليوم نعرفها بالإسم الجديد و أعتقد أن القليلين يعرفون إسمها القديم ، أما ما قلته عن الإمتداد الجغرافي فإني أختلف معك ، فالعالم أصبح قرية صغيرة ، و التواصل أصبح أسهل و أسرع ولا قيمة للإمتداد الجغرافي و اللغة الإنجليزية أصبحت عالمية و أصبح انتشارها أوسع و سيطرت على كل دول شرقي آسيا التي في الأصل كانت لا تتكلم إلا لغتها ، و منطقتكم ليست ببعيدة عنها ، مثلاً أغلب معاملاتكم بالإنجليزية ، و أختلف معك عما قلت عن الأسرة و محاولة الحفاظ على اللغة العربية ، كيف و الخدم أجانب ؟؟ وقد يتعلم أطفالكم منهم لغة آسيوية أو الإنجليزية أكثر من اللغة العربية ، و بحكم مالاحظت عند زيارتي لإحدى العائلات العربية في دبي، فإنهم يتحدثون مع أطفالهم بالإنجليزية ويعتبرون ذلك وجاهة إجتماعية و دليل رفاهية.
و بالرجوع إلى من قلت عنهم أجانب فهناك من قد يختلف معك ، فلقد ناقشت مع أحدهم ، قال لي بقدر كبير من الثقة ، نحن أساس النمو الإقتصادي في دول الخليج حيث أن 95% من البنايات التي تشاهدها نسكنها نحن ، ومرتبطون بها ولو تركناها لإنهار إقتصاد هذه الدول و تضرر المواطن و إنهارت أوضاعه المعيشية المربحة والمريحة فالمواطنون لا يسكنون إلا الفلل الراقية ، فإذا غادرنا هذه البنايات فستكون خسارة الحكومات و المواطنين أكثر من خسارتنا ، بمنطق هذا الرجل يا عزيزي لا يمكن لأحدكم الإستغناء عن الآخر ، إلا إذا تداركتم أنفسكم و إتخذتم خطوات فاعلة لحماية التركيبة السكانية بوضع قوانين و ضوابط ، للحد من إستقطاب العمالة الأجنبية التي قد تضر بمجتمعاتكم على المدى البعيد بدل أن تخدمها ، و إلا سوف تدفعون ثمناً باهظاً ، أخطره ضياع هوية الجيل القادم التي قد تتداخل و ترتبط أكثر مع باقي الجنسيات هذا إذا أردتم إستمرار العيش بلا مشاكل ولا نزاعات وفي ظل جو إنساني و أخوي تنعمون فيه بالأمن و الأمان . ففي رأيي إزدهار و تقدم الدول يستوجب بناء الحاضر برؤية مستقبلية تخدم وتحمي الواقع الحالي و الآتي .
فكرت في كلامه ملياً خاصة ذكره للإرتباط ، أفزعني الأمر ، فهل على الجيل القادم الإستعداد لما قد يحدث ، أم التفاؤل بغدٍ يدوم فيه التعايش بأمان و استقرار؟؟