قبل أيام تابعت في إحدى الفضائيات التي تبث من الخارج برنامجاً حواريا ضيوفه عَالِمَيْنِ مُسْلِمَين أحدهما سني والآخر شيعي ، مع أن تعريف المذاهب لم يكن مهماً في ما مضى وحتى المُشاهد لم يكن يفرق بينهما ، إلا أن الواضح أن بعض وسائل الإعلام مُهِمَتها اليوم التربح من هذا الإختلاف عبر نشره في وسائل الإعلام وعلى صفحات الجرائد ، وبالتالي زرع الفرقة والإستفادة من اختلاف أبناء الشعب والدين الواحد . مع ذلك كنت أتوقع من الشيخين في البرنامج ، النصيحة والإرشاد والتذكير والتعريف بشرائع الإسلام ونشر التسامح وفوق كل هذا الإثراء الفكري .
لكني فوجئت بتحول ما بدى على أنه حوار بينهم إلى مشادة كلامية . استبشرت خيراً في البداية لأن الحوار عادة يدور بين شخصين يبدي كل منهما وجهة نظره ويسمعه الآخر ولهُ أن يوافقه أو يختلف معه وبعد ذلك يرد عليه بحجج و بأسلوب حضاري ، خاصة إذا كانوا علماء دين لهم تأثير كبير على عامة الناس وحتى لو اختلفوا فإن ذلك يجب أن يكون في إطار احترام بعضهم البعض ، واحترام كل منهم لرأي الآخر ووجهة نظره ومذهبه لأنهم كلهم مسلمون ، والحوار عادة يكون له أثر كبير على رأي المتابعين له سواءً كان سياسياً أو ثقافياً أو إجتماعياً فما بالك إذا كان دينياً ؟ فالتأثير سيكون أكبر لأن دور العلماء هو تقريب وجهات النظر سواء كانوا شيعة أو سنة ، و أقوالهم يجب أن تكون مدروسة لأنهم يتحدثون إلى عامة الناس بمختلف الأعمار ، فكثير من العلماء الأفاضل بقت كلماتهم تردد عبر السنين وعلى لسان أجيال من العلماء و هم يعيشون بأقوالهم بيننا إلى الآن ، فلماذا لا يحذوا هؤلاء حذوهم بدل التلاعب بعواطف المسلمين ومذاهبهم المختلفة ؟؟ ويتركوا أثراً طيباً كما فعل من سبقوهم ؟؟
لكن مع الأسف خرج المتحاوران عن أسلوب اللباقة واحترام الآخر وتقبل أفكاره ، فبدأ كل واحد يهاجم فِكر ومَذهب الآخر وكأنه يكفره .
وخرجت بانطباع بأن مثل هؤلاء العلماء بذكاء مُدَّع أو بغباء جاهل يقودون الأمة الإسلامية إلى التهلكة ، و إلى إضحاك ذوي الديانات الأخرى علينا و أعتقد أن كل من إستمع إليهم إستاء من أسلوبهم ، و مِثْلُهُم هم سبب الإنشقاق بين المسلمين وليس الأعداء ، فالأعداء معروفون ويمكن لأي فرد منا أن يرد عليهم أو يتجاهلهم، لكن العتب على من ، مِنَ المفروض أن يكون لهم الدور الأبرز في توجيه وعي و وجدان المسلمين .
إن المسلمين بمذهبيهما الأكثر شيوعاً وصلوا في الفترة الأخيرة إلى باب مغلق وسمحوا للأعداء أن يشمتوا و يهزؤوا منا ، و أصبحت التفرقة أساس حياتنا وديننا، وكأنه ليس لدينا ما نقوله وحياتنا بلا مشاكل ، وحققنا كل أمنياتنا ، فإلى متى نظل نحن المسلمين نتناطح على اختلافات جانبية ونترك إخواناً لنا هنا وهناك يتعرضون للتفرقة العنصرية والقتل ونحن نتفرج أو ندور في حلقة مفرغة ؟؟
عبر العصور الماضية وحتى الآن لا زال هناك سنة وشيعة يعيشون في انسجام وتوافق مستمر في العراق مثلاً ، رغم ما ظهر على السطح بعد احتلاله ، وفي لبنان هناك سنة وشيعة ومذاهب وديانات أخرى وعبر الزمن عاشوا في تجانس وتفاهم ومعاشرة ومصاهرة والكل يساعد ويدافع عن الآخر ، ويفرح لفرحه ويحزن لحزنه .
أما في دول الخليج فلم نشعر أبداً بالفرق و أحياناً البعض لا يعرف إن كان صديقه شيعياً أم سنياً ، فلماذا حالياً يتم العمل على خلق هذه الفجوة ؟؟ مع أن آبائنا و أجدادنا أي الجيل الماضي و أغلبهم غير متعلمين لم يفرقوا يوماً بين هذا وذاك ، و أعتقد أن ما يحصل في السنوات الأخيرة هو من صناعة الآخر المتربص بنا ، وبعض العناصر منا سواء عن جهل أو بأمر من الآخر من أعدائنا فانتبهوا أيها المسلمين.
إن للمسيحية في أوروبا و أمريكا طوائف متعددة مع ذلك يعيشون بسلام مع بعض دون أن تكون خلافاتهم مذهبية أو دينية ، أما الخلافات السياسة فهذا شيء صحي و أمر مقبول ومشروع مهما اختلفت الآراء والتوجهات ، فلنا أن نأخذ أكبر المتربصين بنا ، إسرائيل التي بعدد سكانها الذي لا يتعدى 6 ستة ملايين نسمة وعدد اليهود إجمالاً في الداخل والخارج لا يتعدى 20 عشرون مليون وطوائف اليهودية متعددة مع ذلك لم يكفر بعضهم البعض أو خلقوا يوماً بينهم مشاكل مذهبية.
فانتبهوا أيها المسلمين إن ما يحدث اليوم معيق للتقدم الفكري والثقافي الإسلامي والتحديات التي يواجهها المسلمون أكبر و أعمق من الإختلافات الجانبية التي تؤخرهم وتضيق أفق معرفتهم وهذا ما يريده أعداؤنا . إن ما حدث ويحدث من اختلاف مذهبي لم يكن له وجود بهذا الحجم إلا بعد احتلال العراق وهناك دلائل كثيرة على ذلك ، وبمساعدة بعض الحكومات التي طمعت بالبقاء على كرسي الحكم، ولم تجد أمامها إلا خلق التفرقة بين أبناء الشعب الواحد ، كما حصل في مصر قبل الثورة بين المسلمين و الأقباط لكن تلك المحاولات بائت بالفشل الذريع، مع ذلك انتبهوا أيها المسلمين فالأعداء يتربصون بكم من كل حدب وصوب من الداخل والخارج .
يقول حديث شريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : و من قلة نحن يومئذٍ قال صلى الله عليه وسلم : بل أنتم يومئذٍ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائلاً : يا رسول الله وما الوهن ؟؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت) .