(( إذا الشعب يوماً أراد الحياة ، فلا بد أن يستجيب القدر )) أبو القاسـم الشـابي
مبروك لمصر ، مبروك لشعب مصر ، مبروك للعرب حكاماً وشعوباً .
إن ما جرى ويجري في بعض الدول العربية شبيه بما جرى في أوروبا في القرون الماضية عندما انتفضت الشعوب ضد القهر والظلم والجوع ، و ثورة الشعوب العربية على حكامها في العصر الحالي كانت على الذين جاؤا إلى الحكم بعد الإستعمار الأوروبي بانقلابات عسكرية و بوعود بتحقيق العدالة الإجتماعية و إعطاء كل ذي حق حقه ، لكن على مر الزمن أصبحوا أكثر ظلماً وفساداً ممن سبقهم في الحكم أو من المستعمر نفسه ، فانتشر الفساد ونُهبت ثروات الشعوب . و أصبح شغلهم الشاغل البقاء على الكرسي أو توريثه بعد عمر طويل . أما الأرض فهي ملكهم ومن عليها عبيد لهم وعليهم طاعتهم وطاعة رجالهم وحاشيتهم الذين بدورهم كان لهم نصيب من هذه الثروات .
إن من يذكر تاريخ حسني مبارك ، والقذافي ، وعلي عبدالله صالح ، وبن علي ، وصدام حسين ، و أوضاعهم الإجتماعية قبل السيطرة على الحكم ، يعرف أنهم لم يكونوا يملكوا شيئاً ، ومن عائلات بسيطة ، وهذا ليس عيباً ، إنما العيب أنهم أنكروا ذلك و أصبحوا جبابرة متعالين.
أما اليوم فرياح التغير لم يقف في وجهها شيء ، و وصل مواطن عادي إلى سدة الحكم و أصبح رئيساً لمصر في أول انتخابات حرة نزيهة ، شيء مشرف لمصر أكبر دولة في الشرق الأوسط بعدد سكانها وتاريخها وحضارتها ، أن يختار المصريون بحرية من يمثلهم .
إن ما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن ، والنهاية المأساوية لمن كان يحكمها يجب أن يكون درساً لكل دكتاتور متمسك بكرسي الحكم ، لأن ذلك سوف يحدث له ولو بعد حين ، خاصة و أن الجيل الجديد لن يرضى عن الديمقراطية و التمتع بالحرية واحترام كرامة الإنسان بديلاً . لكن الواضح أن البعض لم يستوعب بعد وبدل من أن يأخذوا الدرس مما حصل منذ بداية الربيع العربي لا زالوا يتجاهلون إرادة الشعوب ويصفون كل من أبدى رأيه أو شارك في تظاهرة أو طالب بأبسط حقوقه ، بالقلة (شـذاذ الآفـاق) كما ورد في الصحف على لسان أحدهم ، فمثل هذه التصرفات هي التي أدت وتؤدي إلى القتال والإقتتال بين أبناء الشعب الواحد.
ورد في وسائل الإعلام أن بعض الدول صرفت مئآت الملايين على فلول عهد مبارك لإنجاحهم بعضوية مجلس الشعب وبكرسي الرئاسة في مصر مع ذلك باءت محاولاتهم بالفشل لأن الشعب المصري تحرر من قيوده وفرض على العالم احترام اختياره.
في الفترة الأخيرة بدأ بعض من يسمون أنفسهم بالمثقفين في مصر يظهرون على فضائيات مصرية مملوكة لأغنياء ظهروا في العهد البائت ، ليشككوا في ما حدث ويحدث ، متبنين وجهات نظر مختلفة عن توجهات الشعب المصري الذي اختار بالأغلبية حزب الحرية و العدالة ممثلاً شرعياً له في مجلس الشعب والرئاسة ، ولم يكن مستغرباً بأن يهاجموا هذا التوجه لأنهم من مناصري ومساندي عهد مبارك وديمقراطيته المزيفة .
أما الغريب فهو أن يتمنوا أن ينقض العسكر على الحكم ويؤيدوا كل الأحكام القضائية للقضاء على من لم تثنيه لا المضايقات ولا الحملات المكثفة ، للمضي في الطريق إلى الرئاسة بشرف و بانتخابات حرة ، نزيهة . ففي إحدى الفضائيات علقت إحدى المذيعات (ربنا يستر ، إحنا رايحين على فين) وكأن الشعب المصري كان مستوراً ووصل إلى بر الأمان في عهد مبارك !!! وهناك بعض آخر كان في خدمة النظام السابق و كان يهلل و يطبل له عبر وسائل الإعلام المقروئة والمسموعة ، لم يجد سبيلاً اليوم بعد أن تحققت إرادة الشعب المصري إلا التشكيك في فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئاسة بنسبة بسيطة لذلك طالب بالمشاركة في الحكم ، فإذا كان هدفهم كما يَدَّعوا هو مصلحة الشعب ، فإن الشعب اختار محمد مرسي ، ونسوا أو تناسوا أنه قبل أسابيع قليلة فاز فرانسوا هولاند في انتخابات الرئاسة في فرنسا بنسبة أقل ، ولم يطالبه أحد بالمشاركة في الحكم ، ولماذا نذهب بعيداً ، فها هو حزب العدالة والتنمية في تركيا أوصله إختيار الشعب إلى سدة الحكم وقيادة البلاد ، ونجح في ذلك رغم الحملات المكثفة عليه من مختلف الأحزاب ، إلا أنهم لم يطالبوا بالمشاركة في الحكم . فهكذا تكون الديمقراطية أيها المثقفون فعلاً ، وليست شعارات !! لذا عليكم إعطاء الوقت الكافي لمن اختاره الشعب ، لكي يمضي قدماً في برنامجه ، فالمهمة ليست سهلة وعلى الجميع دعمه لأن مصلحة مصر فوق كل شيء بدل نشر خطابات الإستفزاز والتصعيد التي قد ترجع بها إلى الوراء.
مبروك لكل من يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية ،
مبروك لكل من يتصدى للظلم والطغيان ،
مبروك لكل صاحب مبدأٍ يعمل جاهداً للنهوض بوطنه.